وداود.

ثم قال أبو عمر -رحمه اللَّه تعالى-بعد أن ذكر أقوال من ردّ حديث فاطمة، أو تأوله-: ما نصّه:

لكن من طرق الحجة، وما يلزم منها قول أحمد بن حنبل، ومن تابعه أصحّ، وأحجّ؛ لأنه لو وجب السكنى عليها، وكانت عبادة تعبّدها اللَّه بها، لزمها ذلك رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، ولم يُخرجها عن بيت زوجها إلى بيت أم شريك، ولا إلى بيت أم مكتوم؛ ولأنه أجمعوا أن المرأة التي تبذو على أحمائها بلسانها، تؤدّب، وتقصر على السكنى في المنزل الذي طُلّقت فيه، وتُمنع من أذى الناس، فدلّ ذلك على أن من اعتلّ بمثل هذه العلّة في الانتقال، اعتلّ بغير صحيح من النظر، ولا متّفقٌ عليه من الخبر، هذا ما يوجبه عندي التأمّل لهذا الحديث مع صحّته. وباللَّه تعالى التوفيق.

وإذا ثبت أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - قال لفاطمة بنت قيس -وقد طُلّقت طلاقًا باتا -: لا سكنى لك، ولا نفقة، وإنما السكنى والنفقة لمن عليها رجعة؛ فأيّ شيء يعارض به هذا؟ هل يُعارض إلا بمثله عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - الذي هو المبيّن عن اللَّه مراده من كتابه، ولا شيء عنه - عليه السلام - يدفع ذلك، ومعلوم أنه أعلم بتأويل قول اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} من غيره - صلى اللَّه عليه وسلم -، وأما الصحابة، فقد اختلفوا كما رأيت، منهم من يقول: لها السكنى والنفقة، منهم: عمر، وابن مسعود، ومنهم من يقول: لها السكنى، ولا نفقة، منهم ابن عمر، وعائشة، ومنهم من يقول: لا سكنى لها، ولا نفقة، وممن قال ذلك: عليّ، وابن عباس، وجابر، وكذلك اختلاف فقهاء الأمصار على هذه الثلاثة الأقوال، على ما ذكرنا، وبيّنّا -والحمد للَّه-. انتهى المقصود من كلام ابن عبد البرّ -رحمه اللَّه تعالى- (?).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي حقّقه الحافظ أبو عمر -رحمه اللَّه تعالى- من ترجيح القول بما دلّ عليه حديث فاطمة بنت قيس - رضي اللَّه تعالى عنها - هو الحقّ الذي لا مرية فيه.

والحاصل أن الصحيح أنه لا سكنى، ولا نفقة للمبتوتة، إلا أن تكون حاملًا؛ لحديث فاطمة - رضي اللَّه تعالى عنها -. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".

...

طور بواسطة نورين ميديا © 2015