أوالرابع،: إشهاد ذوي عدل، وهو إشهادٌ على الرجعة إما وجوبًا، وإما استحبابًا، وأشار سبحانه إلى حكمة ذلك، وأنه في الرجعيّات خاصّةً بقوله: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}، والأمر الذي يُرجى إحداثه ههنا هو المراجعة. هكذا قال السلف، ومن بعدهم. قال ابن أبي شيبة: حدثنا أبو معاوية، عن داود الأوديّ، عن الشعبيّ: {لاَتَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}، قال: لعلّك تَنْدمُ، فيكون لك سبيل إلى المراجعة. وقال الضحّاك: {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}، قال: لعله أن يراجعها في العدّة. وقاله عطاء، وقتادة، والحسن، وقد تقدّم قول فاطمة بنت قيس: أيُّ أمر يحدث بعد الثلاث؟.
فهذا يدلّ على أن الطلاق المذكور هو الرجعيّ الذي ثبتت فيه هذه الأحكام، وأن حكمة أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، اقتضته لعل الزوج أن يندم، ويزول الشرّ الذي نزغه الشيطان بينهما، فتتبعها نفسه، فيراجعها، كما قال عليّ بن أبي طالب - رضي اللَّه عنه -: لو أن الناس أخذوا بأمر اللَّه في الطلاق، ما أتبع رجل نفسه امرأة يُطلّقها أبدًا. ثم ذكر سبحانه وتعالى الأمر بإسكان هؤلاء المطلّقات، فقال: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} [الطلاق: 6]، فالضمائر كلّها يتّحد مفسّرها، وأحكامها كلها متلازمة، وكان قول النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "إنما النفقة والسكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها رجعة" (?)، مشتقًّا من كتاب اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-، ومفسّرًا له، وبيانًا لمراد المتكلّم به منه، فقد تبيّن اتحاد قضاء رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - صلى اللَّه عليه وسلم -، وكتاب اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-، والميزان العادل معهما أيضًا، لا يُخالفهما، فإن النفقة إنما تكون للزوجة، فإذا بانت منه صارت أجنبيّة حكمها حكم سائر الأجنبيّات، ولم يبق إلا مجرّد اعتدادها منه، وذلك لا يوجب لها نفقة، كالموطوءة بشبهة، أو زنى، ولأن النفقة إنما تجب في مقابلة التمكن من الاستمتاع، وهذا لا يمكن استمتاعه بها بعد بينونتها، ولأن النفقة لو وجبت لها عليه لأجل عدّتها، لوجبت للمتوفّى عنها من ماله، ولا فرق بينهما البتّة، فإن كلّ واحدة منهما قد بانت عنه، وهي معتدّة منه، قد تعذّر منهما الاستمتاع، ولأنها لو وجبت لها السكنى، لوجبت لها النفقة، كما يقوله من يوجبها، فأما أن تجب لها السكنى دون النفقة، فالنصّ، والقياس يدفعه. ثم قال -رحمه اللَّه تعالى-:
[ذكر المطاعن التي طُعن بها على حديث فاطمة بنت قيس - رضي اللَّه تعالى عنها - قديمًا وحديثًا]:
(فأولها): طعن أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب - رضي اللَّه تعالى عنه -، فروى مسلم