قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -؛ رجال هذا الإسناد رجال الصحيح، غير شيخه، وأبيه، فقد تفرد بهما هو وأبو داود، وابن ماجه، وهو حمصيان ثقتان. و"شعيب": هنا هو بن أبي حمزة دينار الحمصيّ.

وقوله: "وسمع بذلك مروان": هو ابن الحكم الأمويّ.

وقوله: "عاتبه اللَّه -عَزّ وَجَلَّ- الخ" الضمير للنبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، والمراد به قوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى} الآية.

وقوله: "حتى أنكحها" فيه التفات، إذ الظاهر أن تقول: حتى أنكحني، ويحتمل أن يكون حكايته لقول الراوي عنها.

وقوله: "زعمت" جملة معترضة بين الفعل، وهو "أنكحها"، والمفعول، وهو "أسامة"، أي زعمت فاطمة ذلك. والمراد بالزعم هنا القول المحقّق.

والحديث أخرجه مسلم، وقد تقدّم تمام شرحه، وبيان مسائله في -8/ 3223 - "تزويج المولى العربيّة". وبقي البحث في اختلاف العلماء في هذا الحديث بين طاعن في ثبوته، ومجيب عن ذلك، وفي حكم النفقة، والسكنى للبائن، فنذكرهما في مسألتين:

(المسألة الأولى): في بيان ما وجّه إلى حديث فاطمة بنت قيس - رضي اللَّه تعالى عنها - هذا، من المطاعن، والجواب عنه:

وقد أشبع الكلام في هذه المسألة العلاّمة ابن القيّم -رحمه اللَّه تعالى- في كتابه الممتع "زاد المعاد"، وقد ذكر قبل ذكر المطاعن وأجوبتها كون حديثها مواففا لكتاب اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-، فقال:

[موافقة هذا الحكم لكتاب اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-]:

قال اللَّه تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} - إلى قوله: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 1 - 3].

فأمر اللَّه سبحانه وتعالى الأزواج الذين لهم عند بلوغ الأجل الإمساكُ، والتسريح بأن لا يُخرجوا أزواجهم من بيوتهم، وأمر أزواجهنّ أن لا يخرجوهن، فدلّ على جواز إخراج من ليس لزوجها إمساكها بعد الطلاق، فإنه سبحانه وتعالى ذكر لهؤلاء المطلقات أحكامًا متلازمة، لا ينفك بعضها عن بعض:

[أحدها]: أن الأزواج لا يخرجوهن من بيوتههنّ.

[والثاني]: أنههنّ لا يخرجن من بيوت أزواجهنّ.

[والثالث]: أن لأزواجهن إمساكهنّ بالمعروف قبل انقضاء الأجل، وترك الإمساك، فيُسرّحوهنّ بإحسان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015