زال موجب التحريم، فجاز طلاقها في هذا الطهر، كما يجوز في الطهر الذي بعده، وكما يجوز طلاقها في الطهر إن لم يتقدّم طلاق في الحيض.
ومن حجج المانعين أنه لو طلّقها عقب تلك الحيضة كان قد راجعها ليطلّقها، وهذا عكس مقصود الرجعة، فإنها شُرعت لإيواء المرأة، ولهذا سماها إمساكًا، فأمره أن يمسكها في ذلك الطهر، وأن لا يطلّق فيه حتى تحيض حيضةً أخرى، ثم تطهر؛ لتكون الرجعة للإمساك، لا للطلاق، ويؤيّد ذلك أن الشارع أكّد هذا المعنى حيث أمر بأن يمسكها في الطهر الذي يلي الحيض الذي طلّقها فيه؛ لقوله في رواية عبد الحميد بن جعفر: "مره أن يراجعها، فإذا طهرت أمسكها، حتى إذا طهرت أخرى، فإن شاء طلّقها، وإن شاء أمسكها"، فإذا كان قد أمره بأن يمسكها في ذلك الطهر، فكيف يُبيح له أن يطلّقها فيه؟، وقد ثبت النهي عن الطلاق في طهر جامعها فيه. ذكره في "الفتح" (?).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قد تبيّن بما ذكر من الأدلّة أن الأرجح قول من قال بمنع الطلاق في الطهر الذي يلي الحيضة التي وقع فيها الطلاق؛ لمخالفته الأمر وإمساكها في ذلك الطهر بنصّ قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "فإذا طهرت أمسكها حتى إذا طهرت أخرى الخ". واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الثامنة): اختلف الفقهاء في المراد بقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "طاهرًا" هل المراد به انقطاع الدم، أو التطهّر بالغسل؟ على قولين، وهما روايتان عن أحمد، والراجح الثاني؛ لما يأتي للمصنّف من طريق معتمر بن سليمان، عن عبيد اللَّه بن عمر، عن نافع في هذه القصّة، قال: "مُرْ عبد اللَّه، فليراجعها، فإذا اغتسلت من حيضتها الأخرى، فلا يمسّها حتى يطلّقها، وإن شاء أن يمسكها، فليمسكها"، وهذا مفسّر لقوله: "فإذا طهرت"، فليحمل عليه.
قال في "الفتح": ويتفرع من هذا أن العدّة هل تنقضي بانقطاع الدم، وترتفع الرجعة، أو لا بُدّ من الاغتسال؟ فيه خلاف أيضًا.
والحاصل أن الأحكام المرتّبة على الحيض نوعان: الأول يزول بانقطاع الدم، كصحّة الغسل، والصوم، وترتّب الصلاة في الذّمّة. والثاني: لا يزول إلا بالغسل، كصحّة الصلاة، والطواف، وجواز اللبث في المسجد، فهل يكون الطلاق من النوع الأول، أو من الثاني؟. انتهى (?).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الذي يظهر لي أن الطلاق من النوع الثاني؛ لرواية المصنّف المذكورة في ذلك، فإنها صريحة في اشتراط الاغتسال، فلا يجوز أن يطلّقها