قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي القولُ بوجوب الرجعة على من طلّق امرأته في حيضها هو الأرجح؛ لظهور حجته؛ لأن الأمر للوجوب إلا لصارف؛ وليس هنا صارف يُعتدّ به. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السادسة): ذكر العلماء في الحكمة في تأخير الطلاق إلى طهر بعد الطهر الذي يلي ذلك الحيض الذي وقع في الطلاق أمورًا:
[أحدها]: ما قاله الشافعيّ: يحتمل أن يكون أراد بذلك أن يستبرئها بعد الحيضة التي طلّقها فيها يطهر تامّ، ثم حيض تامّ؛ ليكون تطليقها، وهي تعلم عدّتها، إما بحمل، أو بحيض، أو ليكون تطليقها بعد علمه بالحمل، وهو غير جاهل بما صنع، إذ يرغب، فيُمسك للحمل، أو ليكون إن كانت سألت الطلاق غير حامل أن تكفّ عنه.
[الثاني]: أن الطهر الذي يلي الحيض الذي طلّقها كقرء واحد، فلو طلّقها فيه لكان كمن طلّق في الحيض، وهو ممتنعٌ من الطلاق في الحيض، فلزم أن يتأخّر إلى الطهر الثاني.
[الثالث]: أن لا تصير الرجعة لغرض الطلاق، فوجب أن يمسكها زمانًا يحلّ له فيه طلاقها، وإنما أمسكها؛ لتظهر فائدة الرجعة.
[الرابع]: أنه عقوبةٌ له، وتوبةٌ من معصيته باستدراك ما جناه، وعبّر عنه بعضهم بأنه معاملة بنقيض مقصوده، فإنه عجل ما حقّه أن يتأخر قبل وقته، فمنع منه في وقته، وصار كمستعجل الإرث يقتل مورثه.
[الخامس]: أنه نهي عن طلاقها في الطهر، ليطول مقامه معها، فقد يجامعها، فيذهب ما في نفسه من سبب طلاقها، فيمسكها. قال أبو العبّاس القرطبيّ: وهذا أشبهها، وأحسنها (?). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السابعة): اختلفوا في جواز تطليقها في الطهر الذي يلي الحيضة التي وقع فيها الطلاق والرجعة، وفيه للشافعيّة وجهان، أصحّهما المنع، وبه قطع المتولّي، وهو الذي يقتضيه ظاهر الزيادة التي في الحديث، وعبارة الغزاليّ في "الوسيط"، وتبعه مجلي: هل يجوز أن يطلّق في هذا الطهر؟ وجهان. وكلام المالكيّة يقتضي أن التأخير مستحبّ. وقال ابن تيميّة في "المحرّر": ولا يُطلّقها في الطهر المتعقّب له، فإنه بدعةٌ، وعنه -أي عن أحمد- جواز ذلك. وفي كتب الحنفيّة عن أبي حنيفة الجواز، وعن أبي يوسف ومحمد المنع. ووجه الجواز أن التحريم إنما كان لأجل الحيض، فإذا طهرت