شرح الحديث
(عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ) الأنصاريّ (أَنَّ عَائِشَةَ) - رضي اللَّه تعالى عنها - (قَالَتِ: الْتَمَسْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -) أي طلبته، وفي رواية مسلم من طريق يزيد بن عبد اللَّه بن قسيط، أنّ عروة حدّثه، أن عائشة زوج النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - حدثته، أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، خرج من عندها ليلا، قالت فغِرْتُ عليه، فجاء، فرأى ما أصنع، فقال: "مالك يا عائشة؟، أغرت؟ " فقلت: وما لي، لا يَغارُ مثلي على مثلك؟ ... " (فَأَدْخَلْتُ يَدِي فِي شَعْرِهِ) أي لتتجسّس، هل جامع بعض نسائه، فاغتسل، أم لا؟ (فَقَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (قَدْ جَاءَكِ شَيْطَانُكِ؟) بتقدير أداة الاستفهام، أي أقد جاءك شيطانك، فأوقع عليك أني ذهبت إلى بعض أزواجي، فأنت لذلك متحيّرةٌ، مفتّشةٌ عنّي؟ (فَقُلْتُ: أَمَا لَكَ شَيْطَانٌ؟) وفي رواية مسلم المذكورة: "قالت يا رسول اللَّه، أو معي شيطان؟، قال: "نعم"، قلت: ومع كل إنسان؟، قال: "نعم"، قلت: ومعك يا رسول اللَّه قال: "نعم"، ولكن ربي أعانني عليه: حتى أسلم".
(فَقَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (بَلَى) أي لي شيطان (وَلَكِنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ، فَأَسْلَمَ) قال أبو البقاء في "إعرابه": يُروى بالفتح، لأنه فعل ماض، قال: فأسلمَ شيطاني، أي انقاد لأمر اللَّه تعالى، وبالرفع: أي فأنا أسلمُ منه، وهو فعلٌ مستقبلٌ يحكى به الحال. قاله السيوطيّ (?).
وقال السنديّ: "فأسلمَ" على صيغة الماضي، فصار مسلمًا، فلا يدلّني على سوء لذلك، وإسلام الشيطان غير عزيز، فلا يُنكر، على أنه من باب خرق العادة، فلا يرد. أو على صيغة المضارع، من سَلِمَ -بكسر اللام-: أي فأنا سالمٌ من شرّه. انتهى (?).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الرفع أولى، لما في "مسند أحمد" بإسناد صحيح، من طريق سالم بن أبي الجعد، عن أبيه، عن عبد اللَّه، قال: قال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "ما منكم من أحد، إلا وقد وُكّل به قرينه من الجن، وقرينه من الملائكة"، قالوا: وإياك يا رسول اللَّه؟، قال: "وإياي، ولكن اللَّه أعانني عليه، فلا يأمرني إلا بحق".
فهذه الرواية تبيّن أن قوله: "أسلم" من السلامة، لا من الإسلام، فتعيّن حمله على حديث ابن مسعود هذا، والمعنى أن اللَّه سبحانه وتعالى أعان نبيّه - صلى اللَّه عليه وسلم - على كيد شيطانه، فلا يستطيعه، أن يأمره إلا بخير، بخلاف غيره من الناس، فإنهم لا يَسْلَمون من شره.