تأمرها به، حتى في مثل هذا الأمر مع الزوج الذي هو أرفع الناس قدرًا. (ومنها): أن فيه إشارة إلى ورع سودة - رضي اللَّه تعالى عنها - لما ظهر منها من التندّم على ما فعلت؛ لأنها وافقت أوّلاً على دفع ترفّع حفصة عليهنّ بمزيد الجلوس عندها بسبب العسل، ورأت أن التوصّل إلى بلوغ المراد من ذلك لحسم مادّة شرب العسل الذي هو سبب الإقامة، لكن أنكرت بعد ذلك أنه يترتب عليه منع النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - من أمر كان يشتهيه، وهو شرب العسل، مع ما تقدّم من اعتراف عائشة الآمرة لها بذلك في صدر الحديث، فأخذت سودة تتعجّب مما وقع منهنّ في ذلك، ولم تجسر على التصريح بالإنكار، ولا راجعت عائشة بعد ذلك لما قالت لها: "اسكتي"، بل أطاعتها، وسكتت؛ لما تقدّم من اعتذارها في أنها كانت تهابها، وإنما كانت تهابها؛ لما تعلم من مزيد حبّ النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - لها أكثر منهنّ، فخشيت إذا خالفتها أن تُغضبها، وإذا أغضبتها لا تأمن أن تغيّر عليها خاطر النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، ولا تحتمل ذلك، فهذا معنى خوفها منها. (ومنها): أن عماد القسم الليلُ، وأن النهار يجوز الاجتماع فيه بالجميع، لكن بشرط أن لا تقع منه المجامعة إلا مع التي هو في نوبتها. (ومنها): أن فيه استعمال الكنايات فيما يُستحيا من ذكره، لقولها في الحديث: "فيدنو منهنّ"، والمراد فيقبّل، ونحو ذلك، ويحقّق ذلك قول عائشة لسودة: "وإذا دخل عليك، فإنه سيدنو منك، فقدلي له: إني أجد كذا"، وهذا إنما يتحقّق بقرب الفم من الأنف، ولا سيّما إذا لم تكن الرائحة طافحة (?)، بل المقام يقتضي أن الرائحة لم تكن طافحة؛ لأنها لو كانت طافحة لكانت بحيث يدركها النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، ولأنكر عليها عدم وجودها منه، فلما أقرّ على ذلك دلّ على ما قرّرناه أنها لو قدّر وجودها لكانت خفيّة، وإذا كانت خفيّة لم تدرك بمجرّد المجالسة، والمحادثة من غير قرب الفم من الأنف. قاله في "الفتح" (?).

(ومنها): جواز فعل ما حَلَفَ عليه الإنسان أن لا يفعله، وتجب عليه الكفّارة فيه. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): اختلفت الروايات في المرأة التي شرب النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - عندها العسل، والذي في "الصحيحين" حديث عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها -، أورداه من طريقين: "أحدهما": طريق عُبيد بن عُمير، عنها، وهو الذي أخرجه النسائيّ هنا، وفيه أن شرب العسل عند زينب بنت جحش. و"الثاني": طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، وفيه أن شرب العسل كان عند حفصة بنت عمر. وأخرج ابن مردويه من طريق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015