(المسألة الثالثة): في فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو بيان حكم الغيرة، وأنها لا ينقص من دين المرأة شيئًا، حيث عذر النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - بسببها، وإنما ألزمها ضمان ما جنته. (ومنها): سعة أخلاق النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وإنصافه، وتحمّله ما يحدث من أزواجه بسبب الغيرة. (ومنها): مشروعية الضمان بالمثل في كسر القصعة، ونحوها، وسيأتي ما قاله أهل العلم في ذلك، في المسألة التالية، إن شاء اللَّه تعالى. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): قال ابن بطال: احتجّ الشافعيّ، والكوفيّون فيمن استهلك عروضًا، أو حيوانًا، فعليه مثل ما استهلك، قالوا: ولا يُقضى بالقيمة إلا عند عدم المثل. وذهب مالكْ إلى القيمة مطلقًا، وعنه في رواية كالأوّل، وعنه ما صنعه الآدميّ فالمثل، وأما الحيوان فالقيمة، وعنه ما كان مكيلاً، أو موزونًا فالقيمة، وإلا فالمثل، وهو المشهور عندهم. قال الحافظ: وأما ما أطلقه عن الشافعيّ ففيه نظرٌ، وإنما يُحكم في الشيء بمثله إذا كان متشابه الأجزاء، وأما القصعة فهي من المقوّمات لاختلاف أجزائها. والجواب ما حكاه البيهقيّ بأن القصعتين كانتا للنبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - في بيتي زوجتيه، فعاقب الكاسرة بجعل القصعة المكسورة في بيتها، وجعل الصحفة الصحيحة في بيت صاحبتها، ولم يكن هناك تضمين. ويحتمل على تقدير أن تكون القصعتان لهما أنه رأى ذلك سدادًا بينهما، فرضيتا بذلك. ويحتمل أن يكون ذلك في الزمان الذي كانت العقوبة فيه بالمال، فعاقب الكاسرة بإعطاء قصعتها للأخرى.
قال الحافظ: وُيبعد هذا التصريح بقوله: "إناءٌ كإناء". وأما التوجيه الأول فيعكُرُ عليه قوله في الرواية التي ذكرها ابن أبي حاتم: "من كسر شيئًا، فهو له، وعليه مثله"، زاد في رواية الدارقطنيّ: "فصارت قضيّة"، وذلك يقتضي أن يكون حكمًا عامًّا لكلّ من وقع له مثلُ ذلك، ويبقى دعوى من اعتذر عن القول به بأنها واقعة عينٍ، لا عموم فيها.
لكن محلّ ذلك ما إذا أفسد المكسور، فاما إذا كان الكسر خفيفًا، يمكن إصلاحه، فعلى الجاني أرشه. قال: وأما مسألة الطعام، فهي محتملةٌ لأن يكون ذلك من باب المعونة، والإصلاح، دون بتّ الحكم بوجوب المثل فيه؛ لأنه ليس له مثلٌ معلوم، وفي طرق الحديث ما يدلّ على ذلك، وأن الطعامين كانا مختلفين. واللَّه أعلم انتهى (?).