وجوب القسم بين الزوجات. (ومنها): اعتناء الشارع بإبعاد ما من شأنه أن يُحدث الشحناء والبغضاء بين الأمة، فحرّم التفرقة بين الزوجات؛ لأن ذلك يورث الشقاق بين الرجل وأهل بيته، بل يتعدّى ذلك إلى أهاليهما، فيجب الابتعاد عنه. (ومنها) الحثّ على مكارم الأخلاق، من التسوية بين من أوجب الشارع ذلك لهم، فلا يجوز الميل إلى أحد الجانبين إلا إذا كان ذلك مشروعًا، كان تكون إحدى الزوجات أمةً، فلا يجب التسوية بينها وبين الحرّة في القسم، بل لها نصف ما للحرّة من الأيام. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): قال أبو العباس القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: ما حاصله: لم يُختلف في حقّ غير النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - ممن له زوجات أن العدل عليه واجب؛ لقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "من كانت له امرأتان ... " الحديث. ولقوله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} الآية [النساء: 129].
قال: فأما كيفيّة القَسْم، فلا خلاف في أن عليه أن يفرد كلّ واحدة بليلتها، وكذلك قول عامّة العلماء في النهار. وذهب بعضهم إلى وجوب ذلك في الليل، دون النهار، ولا يدخل لإحداهما في يوم الأخرى وليلتها، لغير حاجة، واختُلف في دخوله لحاجة وضرورةٍ، فالأكثرون على جوازه، مالك وغيره. وفي كتاب ابن حبيب منعه. ويعدل بينهنّ في النفقة، والكسوة، إذا كنّ معتدلات الحال، ولا يلزم ذلك في المختلفات المناصب، وأجاز مالك أن يفضّل إحداهما في الكسوة على غير جهة الميل.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: ما قاله القرطبيّ من عدم لزوم العدل في المختلفات المناصب، ونقله عن مالك -رحمه اللَّه تعالى- من التفضيل في الكسوة يحتاج إلى دليل يخصّصه من عموم أدلّة وجوب العدل في القسم، فتأمّل. واللَّه تعالى أعلم.
قال: فأما الحبّ والبغض، فخارجان عن الكسب، فلا يتأتى العدل فيهما، وهو المعني بقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "فلا تلُمني فيما تملك، ولا أملك" (?). وعند أبي داود: "يعني القلب"، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} الآية. انتهى كلام القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى- (?).
وقال أبو عبد اللَّه القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: ولا يُسقط حقّ الزوجة مرضها، ولا حيضها، ويلزمه المقام عندها في يومها وليلتها، وعليه أن يعدل في مرضه، كما يفعل في صحّته، إلا أن يعجز عن الحركة، فيقيم حيث غلب عليه المرض، فإذا صحّ استأنف