اللَّه، والتعظيم دليل عليها؛ لأنه لا يتحقّق بدونها، والصلاة لكونها مناجاة اللَّه تعالى على ما قال - صلى اللَّه عليه وسلم - المصلّي يناجي ربّه نتيجة التعظيم على ما يلوح من أركانها، ووظائفها، وكمال الثانية في الشفقة، وحسن المعاملة مع الخلق، وأولى الخلق بالشفقة بالنسبة إلى كلّ واحد من الناس نفسه وبدنه، كما قال - صلى اللَّه عليه وسلم -: "ابدأ بنفسك، ثم بمن تعول"، والطيب أخصّ الذات بالنفس، ومباشرة النساء ألذّ الأشياء بالنسبة إلى البدن مع ما يتضمّن من حفظ الصحّة، وبقاء النسل المستمرّ لنظام الوجود، ثم إن معاملة النساء أصعب من معاملة الرجال لأنهنّ أرقّ دينًا، وأضعف عقلًا، وأضيق خُلُقًا، كما قال - صلى اللَّه عليه وسلم -: "ما رأيت من ناقصات عقل ودين، أذهب للبّ الرجل الحازم من إحداكنّ"، فهو - صلى اللَّه عليه وسلم - أحسن معاملتهنّ بحيث عوتب بقوله تعالى: {تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ}، وكان صدور ذلك منه طبعًا، لا تكلّفًا، كما يفعل الرجل ما يُحبّه من الأفعال، فإذا كانت معاملته معهنّ هذا، فما ظنّك بمعاملته مع الرجال الذين هم أكمل عقلًا، وأمثلُ دينًا، وأحسنُ خُلُقًا.

وقوله (وَجُعِلَ) بالبناء للمجهول، وفي الرواية التالية: "وجُعِلت" (قُرَّةُ عَيْنِي) -بضمّ القاف، وتشديد الراء- مصدر قَرَّت العينُ تَقِرّ، من بابي ضرب، وتَعِب قُرَّةً، وقُرُورًا: إذا بَرَدَت سُرُورًا. أفاده الفيّوميّ. وقال ابن منظور: واختلفوا في اشتقاق قَرَّتْ عينُهُ، فقال بعضهم: معناه بَرَدَت، وانقطع بكاؤها، واستحرارها بالدمع، فإن للسرور دمعةً باردة، وللحزن دمعة حارّةٌ. وقيل: هو من القَرَار: أي رأت ما كانت متشوّفة إليه، فقرّت، ونامت. وقيل: أقرّ اللَّه عينك: أي بلّغك أُمنيّتك حتى ترضى نفسُك، وتسكُن عينك، فلا تستشرف إلى غيره. وقيل: أقرّ اللَّه عينك: أي صادفتَ ما يُرضيك، فتقرَّ عينك من النظر إلى غيره. ورضي أبو العبّاس هذا القول، واختاره. وقال أبو طالب: أقرّ اللَّه عينه: أنام اللَّه عينه، والمعنى صادف سُرورًا يُذهب سَهَرَهُ، فينامَ، وأنشد:

أَقَرَّ بِهِ مُوالِيكَ الْعُيُونَا

أي نامت عيونهم لَمّا ظَفِرُوا بما أرادوا انتهى كلام ابن منظور باختصار (?).

(فِي الصَّلاَةِ) فيه إشارة إلى أنّ تلك المحبّة غير مانعة عن كمال المناجاة مع الربّ تبارك وتعالى، بل هو مع تلك المحبّة منقطع إليه تعالى، حتى إنه بمناجاته تقَرّ عيناه، وليس له قريرة العين فيما سواه، فمحبّته الحقيقيّة ليست إلا لخالقه تبارك وتعالى، كما قال - صلى اللَّه عليه وسلم -: "ولو كنت متخذا خليلا، لاتخذت أبا بكر خليلا، ألا وإن صاحبكم خليل اللَّه" رواه أحمد، والترمذيّ، وابن ماجه، وهو متّفقٌ عليه بنحوه.

والظاهر أن المراد بالصلاة هي الصلاة المعهودة، ذات الركوع والسجود. وذكر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015