بتقدير الاستفهام، أي أيُفعل هذا الفعل بحضوركم، إنما قال ذلك، على سبيل الاستغراب، والتعجب؛ لظنّه غِناء الجواري من المنكرات، وأن مقامَهُما يَجِلّ عن إقرار مثل ذلك (فَقالَا) وفي بعض النسخ: "فقال" بالإفراد، أي قال كلّ واحد منهما (اجْلِسْ إِنْ شِئتَ، فاسْمَعْ مَعَنَا، وَإِنْ شِئْتَ اذْهَبْ، قَدْ رُخِّصَ لَنَا فِي اللَّهْوِ عِنْدَ العُرْسِ) - بضمّتين، أو بضمّ، فسكون- تقدّم معناه قريبًا. حاصل جوابهما أن هذا ليس من الغناء المحرم، بل هو رُخّص في مثل هذه المناسبة، حيث يُطلب إشهار النكاح، وإعلانه؛ تمييزًا بينه، وبين السّفاح، فلا ينبغي أن تنكر علينا، بل إن أعجبك، فاجلس معنا، واستمع، وإلا فاذهب حيث شئت.
وهذا الحديث، وأمثاله يُبيّن المراد من الصوت الوارد عند النكاح. واللَّه تعالى أعلم
بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسألتان تتعلّقان بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث قَرَظة بن كعب، وأبي مسعود - رضي اللَّه تعالى عنهما - هذا حديث حسنٌ.
(المسألة الثانية): في حكم الغناء عند العُرْس:
أخرج البخاريّ في "صحيحه"، فقال:
5163 - حدثنا الفضل بن يعقوب، حدثنا محمد بن سابق، حدثنا إسرائيل، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أنها زَفَّت امرأةً إلى رجل من الأنصار، فقال نبي اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "يا عائشة، ما كان معكم لهو، فإن الأنصار يعجبهم اللَّهو".
قال في "الفتح": في رواية شريك: فقال: "فهل بعثتم معها جاريةً، تضرب بالدفّ،
وتُغنّي؟ "، قلت: تقول: ماذا؟ قال: تقول:
أتيناكُم أتيناكُمْ ... فَحَيَّانَا وَحَيَّاكُمْ
وَلَوْلا الذَّهَبُ الأَحْمَـ ... ـرُ ما حَلَّتْ بِوَادِيكُمْ
وَلَوْلا الحِنطَةُ السَّمرا ... ءُ ما سَمِنَت عَذَارِيكُمْ
قال: وللطبرانيّ من حديث السائب بن يزيد، عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وقيل له: أترخّص في هذا؟ قال: "نعم، إنه نكاح لا سفاح، أشيدوا النكاح". وفي حديث عبد اللَّه بن الزبير عند أحمد، وصححه ابن حبان، والحاكم: "أعلنوا النكاح"، زاد الترمذيّ، وابن ماجه من حديث عائشة: "واضربوا عليه بالدّفّ"، وسنده ضعيف. ولأحمد، والترمذيّ، والنسائيّ من حديث محمد بن حاطب: "فصل ما بين الحلال والحرام الضرب بالدفّ". واستدلّ