{وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} الآية. فإذا فرض الصداق، فلا جناح عليه في الدخول عليها، وقد مَضَت السنّة أن يُقَدَّمَ لها شيءٌ من كسوة، أو نفقة.

ومن طريق سعيد بن منصور، نا هشيمٌ، ثنا حجاج، عن أبي إسحاق السبيعيّ، أن كريب بن أبي مسلم- وكان من أصحاب ابن مسعود- تزوّج امرأةً على أربعة آلاف درهم، ودخل بها قبل أن يعطيها من صداقها شيئًا.

وبهذا يقول سفيان الثوريّ، والشافعيّ، وأبو سليمان -يعني داود الظاهريّ- وأصحابهم. وقال الأوزاعيّ: كانوا يستحسنون أن لا يدخل بها حتى يُقدِّم لها شيئًا. وقال الليث: إن سمّى لها مهرًا، فأحبّ إليّ أن يقدّم لها شيئًا، وإن لم يفعل لم أر به بأسا. وقال أبو حنيفة: إن كان مهرها مؤجّلًا فله أن يدخل بها، أحبّت، أم كرهت، حلّ الأجلُ، أو لم يحلّ، فإن كان الصداق نقدًا لم يجز له أن يدخل بها حتى يؤدّيه إليها، فلو دخل بها، فلها أن تمنع نفسها منه حتى يوفّيها جميع صداقها.

قال أبو محمد: أما تقسيم أبي حنيفة، ومالك، فدعوى بلا برهان، لا من قرآن، ولا من سنّة، ولا قياس، ولا قول متقدّم، ولا أرى له وجهًا، فلم يبق إلا قول من أباح دخوله عليها، وإن لم يُعطها شيئًا، أو منع من ذلك.

فنظرنا في حجة من منع من ذلك، فوجدناهم يحتجّون بحديث فيه أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - نهى عليًّا أن يدخل بفاطمة - رضي اللَّه تعالى عنهما - حتى يُعطيها شيئًا.

قال: وهذا خبر لا يصحّ لأنه إنما جاء من طريق مرسلة، أو فيها مجهول، أو ضعيفٌ، وقد تقصّينا طرقها، وعللَّها في "كتاب الإيصال" إلا أن صفتها كلّها ما ذكرنا ههنا لا يصحّ شيء منها، إلا خبر من طريق أحمد بن شعيب (?)، أنا عمرو بن منصور،

نا هشام بن عبد الملك الطيالسيّ، نا حماد بن زيد (?)، عن أيوب السختيانيّ، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن عليًّا، قال: تزوّجت فاطمة، فقلت: يا رسول اللَّه ابن لي (?)، فقال: أعطها شيئًا ... " الحديث.

قال: إنما ذلك على أنه صداقها، لا على معنى أنه لا يجوز الدخول إلا حتى يعطيها

شيئًا، وقد جاء هذا مبينًا، ثم أخرج بسنده عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015