تعجلي (حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ) أي تطلبي منهما أن يبيّنا لك رأيهما في ذلك. ووقع في حديث جابر: "حتى تستشيري أبويك"، زاد محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن عائشة رضي الله تعالى عنها: "إني عارض عليك أمرًا، فلا تفتاتي فيه بشيء حتى تعرضيه على أبويك: أبي بكر، وأمّ رُومان". أخرجه أحمد، والطبريّ.

ويُستفاد منه أن أمّ رُومان كانت يومئذ موجودة، فيُردّ به على من زعم أنها ماتت سنة ستّ من الهجرة، فإن التخيير كان في سنة تسع. قاله في "الفتح".

قال النوويّ: وإنما قال لها: هذا شفقة عليها، وعلى أبويها، ونصيحة لهم في بقائها عنده - صلى الله عليه وسلم -، فإنه خاف أن يحملها صغر سنّها، وقلّة تجاربها على اختيار الفراق، فيجب فراقها، فتضرر هي، وأبواها، وباقي النسوة بالاقتداء بها انتهى (?)

وقال في "الفتح": قال العلماء: إنما أمر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عائشة أن تستأمرَ أبويها خشية أن يحملها صغر السنّ على اختيار الشق الآخر؛ لاحتمال أن لا يكون عندها من الملكة ما يدفع ذلك العارض، فإذا استشارت أبويها، أوضحا لها ما في ذلك من المفسدة، وما في مقابله من المصلحة، ولهذا لما فطنت عائشة لذلك قالت: "قد علم أن أبويّ لم يكونا يأمراني بفراقه".

ووقع في رواية عمرة، عن عائشة في هذه القصّة: "وخشي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حداثتي"، وهذا شامل للتأويل المذكور. انتهى (?).

(قَالَتْ) عائشة (وَقَدْ عَلِمَ) - صلى الله عليه وسلم - (أَنَّ أَبوَيَّ، لَا يَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ) أي لكونهما يختاران الله ورسوله، والدار الآخرة لابنتهما، على تقدير أن تختار هي غير ذلك، وقد أعاذها الله تعالى من ذلك (ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ}) [الأحزاب: 28]، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: هذا أمر من الله تبارك وتعالى لرسوله - صلى الله عليه وسلم - بأن يُخيّر نساءه بين أن يفارقهنّ، فيذهبن إلى غيره ممن يَحصُل لهنّ عنده الحياة الدنيا، وزينتها، وبين الصبر على ما عنده من ضيق الحال، ولهنّ عند الله تعالى في ذلك الثواب الجزيل، فاخترن - رضي الله عنهن، وأرضاهنّ- الله، ورسولَهُ، والدارَ الآخرةَ، فجمع الله تعالى لهنّ بعد ذلك بين خير الدنيا، وسعادة الآخرة انتهى (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015