بالمعنى، قَلَبه عليه مخالفه، وادّعى ضدّ دعواه، فلم يبق إلا الترجيح بأمر خارجي، ولكن القلب إلى ترجيح رواية التزويج أميل؛ لكونها رواية الأكثرين؛ ولقرينة قول الرجل الخاطب: "زوّجنيها يا رسول اللَّه".
وقد تقدّم النقل عن الدارقطنيّ أنه رجح رواية من قال: "زوّجتكها"، وبالغ ابن التين، فقال: أجمع أهل الحديث على أن الصحيح رواية زوّجتكها، وأن رواية ملّكتكها وَهَمٌ.
وتعلّق بعض المتأخّرين بأن الذين اختلفوا في هذه اللفظة أئمّة، فلولا أن هذه الألفاظ عندهم مترادفة ما عبروا بها، فدلّ على أن كلّ لفظ منها يقوم مقام الآخر عند ذلك الإمام، وهذا لا يكفي في الاحتجاج بجواز انعقاد النكاح بكلّ لفظة منها، إلا أن ذلك لا يدفع مطالبتهم بدليل الحصر في اللفظين مع الاتفاق على إيقاع الطلاق بالكنايات بشرطها، ولا حصر في الصريح، وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن النكاح ينعقد بكلّ لفظ يدلّ عليه، وهو قول الحنفيّة، والمالكيّة، وإحدى الروايتين عن أحمد، واختلف الترجيح في مذهبه، فأكثر نصوصه تدلّ على موافقة الجمهور، واختار ابن حامد، وأتباعه الرواية الأخرى الموافقة للشافعيّة. واستدلّ ابن عقيل منهم لصحّة الرواية الأولى بحديث: "أعتَقَ صفيّة، وجعل عتقها صداقها"، فإن أحمد نصّ على أن من قال: أعتقتُ أمتي، وجعلتُ عتقها صداقها أنه ينعقد نكاحها بذلك. واشترط من ذهب إلى الرواية الأخرى بأنه لا بدّ أن يقول في مثل هذه الصورة: تزوّجتها، وهي زيادة على ما في الخبر، وعلى نصّ أحمد، وأصولُهُ تشهد بأن العقود تنعقد بما يدلّ على مقصودها، من قول، أو فعل. كذا في "الفتح" (?).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي أن ما ذهب إليه الجمهور من أن النكاح يجوز بكل لفظ يدلّ عليه هو الصواب، كما هو مذهب الحنفيّة، والمالكيّة، ورواية عن أحمد، -رحمهم اللَّه تعالى-.
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة -رحمه اللَّه تعالى- كما في "مجموع الفتاوى"-: عمدة من قال: لا يصحّ النكاح إلا بلفظ "الإنكاح"، و"التزويج" - وهم أصحاب الشافعيّ، وابن حامد، ومن وافقهم من أصحابنا، كأبي الخطّاب، والقاضي، وأصحابه، ومن بعده- إلا في لفظ "أعتقتك، وجعلت عتقك صداقك" أنهم قالوا: ما سوى هذين اللفظين كناية، والكناية لا تقتضي الحكم إلا بالنيّة، والنيّة في القلب لا تُعلم، فلا يصحّ عقد النكاح بالكناية؛ لأن صحّته مفتقرة إلى الشهادة عليه، والنيّة لا يُشهَد عليها، بخلاف ما يصحّ بالكناية، من طلاق، وعتق، وبيع، فإن الشهادة لا تُشترط في صحّة ذلك.