(المسألة الثالثة عشرة): أنه استدلّ بالحديث على جواز ثبوت العقد بدون لفظ النكاح والتزويج. وخالف ذلك الشافعيّ، ومن المالكيّة ابن دينار وغيره. والمشهور عن المالكيّة جوازه بكلّ لفظ دلّ على معناه، إذا قُرن بذكر الصداق، أو قصد النكاح، كالتمليك، والهبة، والصدقة، والبيع، ولا يصحّ عندهم بلفظ الإجارة، ولا العارية، ولا الوصيّة، واختُلف عندهم في الإحلال، والإباحة. وأجازه الحنفيّة بكلّ لفظ يقتضي التأبيد مع القصد. وموضع الدليل من هذا الحديث ورود قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: " ملّكتكها"، لكن ورد أيضًا بلفظ "زوّجتكها".
قال ابن دقيق العيد: هذه لفظة واحدة في قصّة واحدة، واختلف فيها مع اتحاد مخرج الحديث، فالظاهر أن الواقع من النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - أحد الألفاظ المذكورة، فالصواب في مثل هذا النظر إلى الترجيح، وقد نقل عن الدارقطنيّ أن الصواب رواية من روى: "زوّجتكها"، وأنهم أكثر وأحفظ. قال: وقال بعض المتأخّر: يحتمل صحّة اللفظين، ويكون قال لفظ التزويج أولاً، ثم قال: اذهب فقد ملّكتكها بالتزويج السابق. قال ابن دقيق العيد: وهذا بعيد؛ لأن سياق الحديث يقتضي تعيين لفظة قِيلَتْ، لا تعدّدها، وأنها هي التي انعقد بها النكاح، وما ذكره يقتضي وقوع أمر آخر انعقد به النكاح، والذي قاله بعيد جدًّا. وأيضًا فلخصمه أن يعكس، ويدّعي أن العقد وقع بلفظ التمليك، ثم قال: زوّجتكها بالتمليك السابق. قال: ثم إنه لم يتعرّض لرواية: "أمكنّاكها" مع ثبوتها، وكلّ هذا يقتضي تعيّن المصير إلى الترجيح انتهى.
وأشار ببعض المتأخّرين إلى النوويّ، فإنه كذلك قال في "شرح مسلم". وقد قال ابن التين: لا يجوز أن يكون النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - عقد بلفظ التمليك والتزويج معًا في وقت واحد، فليس أحد اللفظين بأولى من الآخر، فسقط الاحتجاج به، هذا على تقدير تساوي الروايتين، فكيف مع الترجيح؟، قال: ومن زعم أن معمرًا وَهِمَ فيه وَرَدَ عليه أن البخاريّ أخرجه في غير موضع من رواية غير معمر، مثل معمر انتهى.
وزعم ابن الجوزيّ في "التحقيق" أن رواية أبي غسّان: "أنكحتكها" ورواية الباقين "زوّجتكها"، إلا ثلاثة أنفس، وهم معمرٌ، ويعقوب، وابن أبي حازم، قال: ومعمرٌ كثير الغلط، والآخران لم يكونا حافظين انتهى.
قال الحافظ: وقد غلط في رواية أبي غسان، فإنها بلفظ "أمكناكها" في جميع نسخ البخاريّ، نعم وقعت بلفظ "زوّجتكها" عند الإسماعيليّ من طريق حسين بن محمد، عن أبي غسّان، والبخاريّ أخرجه عن سعيد بن أبي مريم، عن أبي غسّان بلفظ "أمكناكها". وقد أخرجه أبو نعيم في "المستخرج" من طريق يحيى بن عثمان بن صالح،