من جعل تعليم القرآن مهرًا هو الحقّ؛ لظاهر حديث الباب، وما ذكره المانعون من التأويلات المتقدمة للحديث، فكلها واهية، فلا يُلتفت إليها. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الحادية عشرة): أنه يجوز كون الأجرة صداقًا، ولو كانت المصدوقة المستأجرة، فتقوم المنفعة من الإجارة مقام الصداق، وهو قول الشافعيّ، وإسحاق، والحسن بن صالح. وعند المالكيّة فيه خلاف. ومنعه الحنفيّة في الحرّ، وأجازوه في العبد إلا في الإجارة في تعليم القرآن، فمنعوه مطلقًا، بناءً على أصلهم في أن أخذ الأجرة على تعليم القرآن لا يجوز.

وقد نقل عياضٌ جواز الاستئجار لتعليم القرآن عن العلماء كافّةً إلا الحنفيّة.

وقال ابن العربيّ: من العلماء من قال: زوّجه على أن يعلّمها من القرآن، فكانت إجارةً، وهذا كرهه مالكٌ، ومنعه أبو حنيفة، وقال ابن القاسم: يُفسخ قبل الدخول، ويُثبَتُ بعده، قال: والصحيح جوازه بالتعليم. وقد روى يحيى بن مضر عن مالك في هذه القصّة أن ذلك أجرة على تعليمها، وبذلك جاز أخذ الأجرة على تعليم القرآن، وبالوجهين قال الشافعيّ، وإسحاق، وإذا جاز أن يؤخذ عنه العوض جاز أن يكون عوضًا، وقد أجازه مالك من إحدى الجهتين، فيلزم أن يُجيزه من الجهة الأخرى.

وقال القرطبيّ: قوله: "عَلمّها" نصّ في الأمر بالتعليم، والسياق يشهد بأن ذلك لأجل النكاح، فلا يُلتفتُ لقول من قال: إن ذلك كان إكرامًا للرجل، فإن الحديث يصرح بخلافه، وقولهم: إن الباء بمعنى اللام ليس بصحيح لغةً، ولا مساقًا انتهى.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قد تبيّن مما ذُكِر أن ما ذهب إليه الشافعيّ ومن تبعه هو الأرجح، لظهور دليله. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الثانية عشرة): أنه استُدِلَّ به على أن من قال: زوَّجني فلانة، فقال: زوجتكها بكذا كفى، ولا يحتاج إلى قول الزوج: قبلت. قاله أبو بكر الرازيّ من الحنفيّة، وذكره الرافعيّ من الشافعيّة.

وقد استُشكل من جهة طول الفصل بين الاستيجاب والإيجاب، وفراق الرجل المجلس لالتماس ما يُصدقها إياه.

وأجاب المهلّب بأن بساط القصّة أغنى عن ذلك، وكذا كلّ راغب في التزويج إذا استوجب، فأُجيب بشيء معيّن، وسكت كفى، إذا ظهر قرينة القبول، وإلا فيُشترط معرفة رضاه بالقدر المذكور. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015