المعجمة، من باب تَعِب- قال الطيبيّ: أي أَعيب عليهنّ؛ لأن من غار عاب، ويدلّ عليه قولها: "أو تهب المرأة نفسها للرجل؟ "، وهو هنا تقبيح وتنفير لئلا تهب النساء أنفسهن له - رضي اللَّه عنه -.
و"الغَيْرَة" -بفتح، فسكون: وهي الحميّة، والأَنفَة، يقال: رجلٌ غَيُورٌ، وامرأة غَيُور بلا هاء؛ لأن فعولاً يستوي فيه الذكر والأنثى (?)، كما قال في "الخلاصة":
ولَا تَلي فَارقَةً فَعُولَا ... أَصْلَا وَلَا الْمِفْعَالَ والْمِفْعِيلَا
كذَاكَ مِفْعَلٌ وَمَا تَلِيهِ ... تَا الفَرْقِ مِنْهُ فَشُذُوذٌ فِيهِ
ووقع عند الإسماعيلي من طريق محمد بن بشر، عن هشام بن عروة، بلفظ: "كانت تُعيّر اللاتي وهبن أنفسهنّ" بعين مهملة، وتشديد.
(عَلَى اللَّاتِي وَهَبْنَ أَنفُسَهُنَّ) هذا ظاهر في أن الواهبة أكثر من واحدة، ففي حديث سهل بن سعد التالية: "إذ قالت امرأة: إني وهبت نفسي لك". وقد روى أحمد في "مسنده" بإسناد حسن، من طريق الحضرميّ بن لاحق، عن أنس بن مالك - رضي اللَّه عنه -، أن امرأة أتت النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، فقالت: يا رسول اللَّه، ابنة لي كذا وكذا، ذكرت من حسنها وجمالها، فآثرتك بها، فقال: "قد قَبِلْتها"، فلم تزل تمدحها، حتى ذكرت أنها لم تُصدَع، ولم تَشتَكِ شيئًا قط، قال: "لا حاجة لي في ابنتك". وهذه امرأة أخرى بلا شكّ. وعند ابن أبي حاتم من حديث عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها -: "التي وهبت نفسها للنبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - هي خولة بنت حكيم". ومن طريق الشعبيّ قال: من الواهبات أمّ شَريك، وأخرجه النسائيّ من طريق عروة. وعند أبي عبيدة معمر بن المثنّى أن من الواهبات فاطمة بنت شُريح. وقيل: إن ليلى بنت الخَطِيم (?) ممن وهبت نفسها له. ومنهنّ زينب بنت خُزيمة، جاء عن الشعبيّ، وليس بثابت. وخولة بنت حكيم، وهو في "صحيح البخاريّ". ومن طريق قتادة، عن ابن عباس، قال: التي وهبت نفسها للنبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - هي ميمونة بنت الحارث، وهذا منقطع. وأورده من وجه آخر مرسل، وإسناده ضعيف. ويعارضه حديث سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: "لم يكن عند رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - امرأة وهبت نفسها له". أخرجه الطبريّ، وإسناده حسن. والمراد أنه لم يدخل بواحدة ممن وهبت نفسها له، وإن كان مباحًا له؛ لأنه راجع إلى إرادته؛ لقوله تعالى: {إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا} [الأحزاب: 50].