طيّء، أكللت مطيّتي، وأتعبت نفسي، واللَّه ما تركت من جبل إلا وقفت عليه، فهل لي من حجّ؟، فقال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "من شهِد صلاتنا هذه، فوقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً، أو نهارًا، فقد تمّ حجه، وقضى تفثه". رواه أبو داود، والترمذيّ، والنسائيّ، وابن ماجه، وغيرهم بأسانيد صحيحة. قال الترمذيّ: هو حديث حسنٌ صحيح. انتهى كلام النوويّ بتصرّف (?).

وقال العينيّ: وقال الشافعيّ: يحصل المبيت بساعة في النصف الثاني من الليل، دون الأول، وعن مالك: النزول بالمزدلفة واجب، والمبيت بها سنة، وكذا الوقوف مع الإمام سنة. وقال أهل الظاهر: من لم يدرك مع الإمام صلاة الصبح بالمزدلفة بطل حجه، بخلاف النساء والصبيان، والضعفاء. وقال الحنفيّة: لو ترك الوقوف بها بعد الصبح من غير عذر فعليه دم، وإن كان بعذر الزحام، فتعجل السير إلى منى، فلا شيء عليه، والمأمور في الآية الكريمة الذكر، دون الوقوف، ووقت الوقوف بالمشعر الحرام بعد طلوع الفجر من يوم النحر إلى أن يسفر جدًّا. وعن مالك: لا يقف أحد إلى الإسفار، بل يدفعون قبل ذلك انتهى كلام العينيّ (?).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الأرجح عندي أن المبيت بالمزدلفة سنة؛ لأنه - صلى اللَّه عليه وسلم - بات بها، وأما شهود صلاة الصبح، والوقوف بعدها إلى أن يدفع الإمام، فواجب إلا لأهل الأعذار؛ لحديث عروة بن مضرّس - رضي اللَّه تعالى عنه - المذكور آنفًا، فإنه - صلى اللَّه عليه وسلم - ذكره لصحة الحجّ، وتمامه، فقال: "من شهِد صلاتنا هذه، فوقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً، أو نهارًا، فقد تمّ حجه، وقضى تفثه". فما ذكر المبيت بها لتمام الحجّ، وإنما ذكر الوقوف بعرفة، وشهود صلاة الصبح، والدفع معه، وقد أوجبت الآية المذكورة الذكر عند المشعر الحرام، فأفادت أن الوقوف به من واجبات الحجّ، فتأمل. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

3034 - (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ, قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ, عَنْ عَمْرٍو, عَنْ عَطَاءٍ, عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, قَالَ: "كُنْتُ فِيمَنْ قَدَّمَ النَّبِيُّ - صلى اللَّه عليه وسلم -, لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ, فِي ضَعَفَةِ أَهْلِهِ").

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: رجال هذا الإسناد رجال الصحيح، غير شيخه، "محمد بن منصور" الجوّاز المكيّ الثقة، فإنه من أفراده.

و"سفيان": هو ابن عيينة. و"عمرو": هو ابن دينار. و"عطاء": هو ابن أبي رباح.

والحديث متّفقٌ عليه، وقد سبق البحث فيه مستوفًى في الحديث الذي قبله. واللَّه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015