شرح الحديث
(عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ) - رضي اللَّه تعالى عنهما -، هو شقيق عبد اللَّه الراوي عنه، وهو أكبر أولاد العباس - رضي اللَّه تعالى عنه -، وكان يكنى به، استُشهد في خلافة عمر - رضي اللَّه تعالى عنهم -، كما تقدّم قريبًا (وَكَانَ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -) أي من مزدلفة إلى منى، والجملة معترضة (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -، قَالَ: فِي عَشِيَّةِ عَرَفَةَ) هذا سمعه منه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وهو غير رديفه؛ لأن رديفه في ذلك الوقت هو أسامة بن زيد - رضي اللَّه تعالى عنهما - (وَغَدَاةِ جَمْعٍ) أي صباح ليلة المزدلفة، حيث كان رديفه - صلى اللَّه عليه وسلم - (لِلنَّاسِ) متعلقٌ بـ"قال" (حِينَ دَفَعُوا) أي رجعوا من عرفة إلى المزدلفة، ومنها إلى منى ("عَلَيْكُمُ السَّكِينَةَ") أي الزموها، والجملة في محلّ نصب مقول القول (وَهُوَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (كَافٌّ نَاقَتَهُ) بتشديد الفاء، اسم فاعل من الكفّ، وهو المنع، أي مانعها من الإسراع حين الزحام. والجملة في محلّ نصب على الحال من الفاعل (حَتَّى إِذَا دَخَلَ مُحَسِّرًا) بصيغة اسم الفاعل من التحسير، يقال: حسّرتُهُ -بالتثقيل-: أوقعته في الحسرة، اسم واد بين المزدلفة ومنى، سمّي به؛ لأن فيل أَبْرَهَة كَلَّ فيه، وأعيا، فحسّرَ أصحابه بفعله، وأوقعهم في الحسرات. أفاده الفيّوميّ (وَهُوَ مِنْ مِنَى) أي وادي محسّر من جملة منى، وظاهره أنه داخل في حدودها، وعلى هذا فالأمر بالارتفاع عنه؛ لكونه محلّ تحسّر أصحاب الفيل.
وقيل: هو من مزدلفة، والتحقيق أنه كالبرزخ بين المزدلفة ومنى، وأن معنى قوله: "وهو من منى" أي هو موضع قريبٌ من منى في آخر المزدلفة (قَالَ: "عَلَيكُمْ بحَصَى الْخَذْفِ") بالخاء، والذال المعجمتين، أي الزموا حصى الرمي، والمراد به الحصى الصغار. قال الفيّوميّ: حذفت الحصاة ونحوها حذفًا، من باب ضرب: رميتها بطرفي الإبهام والسبّابة، وقولهم: يأخذ حصي الخذف: معناه حصى الرمي، والمراد الحصى الصغار، لكنه أطلق مجازًا انتهى. وقوله (الَّذِي يُرْمَى بِهِ) بالبناء للمفعول تأكيد لمعنى حصى الخذف. وفي رواية مسلم: "يُرمى به الجمرةُ"، و"الجمرة" بالرفع نائب فاعل "يُرمَى".
(فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُلَبِّي، حَتَّى رَمَى الْجَمْرَةَ) أي جمرة العقبة يوم النحر. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث الفضل بن عباس - رضي اللَّه تعالى عنهما - هذا متّفق عليه.
(المسألة الثانية): في بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا -204/ 3021 و 214/ 3053 و 216/ 3056 و 218/ 3059 و 228/