رواية يحيى المذكورة: "فأمروا رجلاً، فسأله عن الحجّ؟، فقال: الحجّ عرفة"، ولأبي داود: "فأمروا رجلاً، فنادى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، كيف الحجّ؟، فأمر رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - رجلاً، فنادى: الحجّ الحج (?) عرفة" (فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْحَجُ عَرَفَةُ) وفي رواية للبيهقيّ: "الحجّ عرفات، الحجّ عرفات". أي الحجّ الصحيح حجّ من أدرك الوقوف بعرفة، فمن أدركه، فقد أمن فوت الحجّ. وقيل: معناه: مِلَاكُ الحجّ، ومعظم أركانه وقوف عرفة؛ لأنه يفوت بفوته.

وقال الشيخ عزّ الدين ابن عبد السلام في "أماليه": فإن قيل: أيّ أركان الحجّ أفضل؟. قلنا: الطواف؛ لأنه يشتمل على الصلاة، وهو مُشَبَّه بالصلاة، والصلاة أفضل من الحجّ، والمشتمل على الأفضل أفضل.

فإن قيل: قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "الحجّ عرفة" يدلّ على أفضلية عرفة؛ لأن التقدير معظم الحجّ وقوف عرفة. فالجواب أن لا نُقَدِّر ذلك، بل نقدّر أمرًا مجمعًا عليه، وهو إدراك الحجّ وقوف عرفة. انتهى (?).

(فَمَنْ أَدْرَكَ لَيْلَةً عَرَفَةَ) الظاهر أن "عرفة" مفعول "أدرك"، و"ليلة" منصوب على الظرفية لـ"أدرك"، وليس مضافًا إلى "عرفة"، أي من أدرك وقوف عرفة ليلاً (قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ) بفتح الجيم، وسكون الميم، أي من الليلة التي يبيت الحجّاج فيها بجمع، وهي مزدلفة (فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ") أي فقد أمن من الفوات، وإلا فلا بدّ من الطواف.

وزاد في رواية يحيى القطان المتقدّمة: "أيامُ منى ثلاثة أيام، من تعجّل في يومين، فلا إثم عليه، ومن تأخّر فلا إثم عليه، ثم أردف رجلاً، فجعل يُنادي بها في الناس".

وقوله: "أيام منى ثلاثة أيام" مبتدأ وخبر، أي الأيام التي يقيم فيها الحجاج للرمي في منى ثلاثة أيام: وهي الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر من ذي الحجة، وهي الأيام المعدودات، وأيام التشريق، وأيام رمي الجمار، وليس منها يوم النحر؛ للإجماع على أنه لا يجوز النفر في اليوم التالي له، ولو كان منها لجاز النفر لمن شاء في ثانيه.

وقال السنديّ: إنما لم يعدّ يوم النحر من أيام منى؛ لأنه ليس مخصوصًا بمنى، بل فيه مناسك كثيرة انتهى.

وقوله: "من تعجّل في يومين الخ" أي تعجّل ونفر من منى إلى مكة في ثاني يومين، من أيام التشريق، فلا إثم عليه في تعجله، ومن تأخر عن النفر في اليوم الثاني، وبقي إلى الثالث، ونفر بعد رمي الجمار، فلا إثم عليه في التأخر، بل هو الأفضل؛ لأنه الذي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015