لا يخرجون من الحرم. ووقع عند الإسماعيليّ من طريقيه بعد قوله: "فما له خرج من الحرم؟ " قال سفيان: الحمس -يعني قريشًا- وكانت تسمّى الحمس، وكانت لا تجاوز الحرم، ويقولون: نحن أهل اللَّه، لا نخرج من الحرم، وكان سائر الناس يقف بعرفة، وذلك قوله: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: 199]. انتهى.

وروى ابن خزيمة، وإسحاق بن راهويه في "مسنده" موصولاً من طريق ابن إسحاق، حدثنا عبد اللَّه بن أبي بكر، عن عثمان بن أبي سليمان، عن عمّه نافع بن جبير، عن أبيه، قال: "كانت قريش إنما تدفع من المزدلفة، ويقولون: نحن الحمس، فلا نخرج من الحرم، وقد تركوا الموقف بعرفة، قال: فرأيت رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - في الجاهليّة يقف مع الناس بعرفة على جمل له، ثم يصبح مع قومه بالمزدلفة، فيقف معهم، ويدفع إذا دفعوا". ولفظ يونس بن بكير، عن ابن إسحاق في "المغازي" مختصرًا، وفيه: "توفيقًا من اللَّه له". وأخرجه إسحاق أيضًا عن الفضل بن موسى، عن عثمان بن الأسود، عن عطاء أن جبير بن مطعم، قال: "أضللت حمارًا لي في الجاهليّة، فوجدته بعرفة، فرأيت رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - واقفًا بعرفات مع الناس، فلما أسلمت علمت أن اللَّه وفّقه لذلك".

قال الحافظ: وأفادت هذه الرواية أن رواية جبير له لذلك كانت قبل الهجرة، وذلك قبل أن يسلم جبير، وهو نظير روايته أنه سمعه يقرأ في المغرب بالطور، وذلك قبل أن يسلم جبير أيضًا، كما تقدّم.

وتضمّن ذلك التعقيب على السهيليّ حيث ظنّ أن رواية جبير لذلك كانت في الإسلام في حجة الوداع، فقال: انظر كيف أنكر جبير هذا، وقد حجّ بالناس عتّاب سنة ثمان، وأبو بكر سنة تسع، ثم قال: إما أن يكونا وقفا بجمع، كما كانت قريش تصنع، وإما أن يكون جبير لم يشهد معهما الموسم.

وقال الكرمانيّ: وقفة رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - بعرفة كانت سنة عشر، وكان جبير حينئذ مسلمًا؛ لأنه أسلم يوم الفتح، فإن كان سؤاله عن ذلك إنكارًا، أو تعجبًا، فلعله لم يبلغه نزول قوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}، وإن كان للاستفهام عن حكمة المخالفة عما كانت عليه الحمس، فلا إشكال، ويحتمل أن يكون لرسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - وقفة بعرفة قبل الهجرة انتهى ملخصًا.

قال الحافظ: وهذا الأخير هو المعتمد كما بيّنته قبلُ بدلائله، وكأنه تبع السهيليّ في ظنّه أنها حجة الوداع، أو وقع له اتفافًا. انتهى (?). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015