فهلكوا، واستحقّوا الإهلاك.
قال الأبّيّ: قوله: "واختلافهم على أنبيائهم" هو زيادة على ما وقع، فإن الذي وقع إنما هو الإلحاح في السؤال، لا الاختلاف انتهى (?).
(فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالشَّيْءِ) وفي نسخة: "بشيء"، ولمسلم: "بأمر". وفي رواية: "وما أمرتكم به" (فَخُذُوا بهِ مَا اسْتَطَعْتُمْ) أي خذوا من ذلك الأمر قدر استطاعتكم. وفي رواية: "فأتوا منه مَا استطعتم"، وفي رواية: "وإذا أمرتكم بالأمر، فأتمروا ما استطعتم".
قال النوويّ -رحمه اللَّه تعالى-: هذا من قواعد الإسلام المهمة، ومن جوامع الكلم التي أعطيها - صلى اللَّه عليه وسلم -، ويدخل فيه ما لا يُحصَى من الأحكام، كالصلاة بأنواعها، فإذا عجز عن بعض أركانها، أو بعض شروطها أتى بالباقي، وإذا عجز عن بعض أعضاء الوضوء، أو الغسل غسل الممكن، وإذا وجد بعض ما يكفيه من الماء لطهارته، أو لغسل النجاسة، فعل الممكن، وإذا وجبت إزالة منكرات، أو فطرة جماعة من تلزمه نفقتهم، أو نحو ذلك، وأمكنه البعض فعل الممكن، وإذا وجد ما يستر بعض عورته، أو حَفِظَ بعض الفاتحة أتى بالممكن، وأشباه هذا غير منحصرة، وهي مشهورة في كتب الفقه، والمقصود التنبيه على أصل ذلك انتهى كلام النوويّ (?).
وقال غيره: فيه أن من عجز عن بعض الأمور لا يسقط عنه المقدور، وعبّر عنه بعض الفقهاء بأنّ الميسور لا يسقط بالمعسور، كما لا يسقط ما قدر عليه من أركان الصلاة بالعجز عن غيره، وتصحّ توبة الأعمى عن النظر المحرّم، والمجبوب عن الزنا؛ لأن الأعمى، والمجبوب قادران على الندم، فلا يسقط عنهما بعجزهما عن العزم على عدم العود؛ إذ لا يُتصوّر منهما العود عادة، فلا معنى للعزم على عدمه انتهى (?).
وقال النوويّ: وهذا الحديث موافق يقول اللَّه تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]. وأما قوله تعالى: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران: 102] ففيها مذهبان: أحدهما: أنها منسوخة بقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}. والثاني: -وهو الصحيح، أو الصواب، وبه جزم المحققون أنها ليس منسوخةً، بل قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} مفسّرة لها، ومبيّنة للمراد بها. قالوا: وحقّ تقاته، هو امتثال أمره، واجتناب نهيه، ولم يأمر اللَّه سبحانه، وتعالى إلا بالمستطاع، قال اللَّه تعالى: {لاَ