لم يكن بدّ من امتثال أمره على ما فصَّلَ، وقَيَّدَ، وإن كان فيه أشدّ المشقّات، وأشدّ التكاليف، وهذا مما لا يُختَلَف فيه إن شاء اللَّه تعالى أنه المراد بالحديث انتهى كلام القرطبيّ (?).
وقد أخرج البزّار، وابن أبي حاتم في "تفسيره" من طريق أبي رافع، عن أبي هريرة - رضي اللَّه تعالى عنه -، مرفوعًا: "لو اعترض بنوا إسرائيل أدنى بقرة، فذبحوها، لكفتهم، ولكن شَدَّدُوا، فشدّد اللَّه عليهم". وفي السند عبّاد بن منصور، وحديثه من قبيل الحسن. وأورده الطبريّ، عن ابن عبّاس، موقوفًا. وعن أبي العالية، مقطوعًا. ذكره في "الفتح" (?).
(فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ) أي من اليهود والنصارى (بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ) كسؤال الرؤية، والكلام، وقضيّة البقرة.
ولفظ البخاريّ من طريق أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة: "فإنما أهلك من كان قبلكم سُؤَالُهُمْ". قال في "الفتح": قوله: "فإنما أهلك" بفتحات (?)، وقال بعد ذلك: "سؤالهم" بالرفع على أنه فاعل "أهلك". وفي رواية غير الكشميهنيّ: "أُهلك" بضمّ أوله، وكسر اللام، وقال بعد ذلك: "بسؤالهم" أي بسبب سؤالهم. وقوله: "واختلافهم" بالرفع، وبالجرّ على الوجهين. ووقع في غير رواية همام عند أحمد بلفظ: "فإنما أُهْلِكَ"، وفيه "بسؤالهم"، ويتعيّن الجرّ في "واختلافهم". وفي رواية الزهريّ: "فإنما هَلَكَ"، وفيه "سؤالُهم"، ويتعيّن الرفع في "واختلافهم". وأما قول النوويّ في "أربعينه": و"اختلافهم" برفع الفاء، لا بكسرها، فإنه باعتبار الرواية التي ذكرها، وهي التي من طريق الزهريّ انتهى (?).
(وَاختِلَافِهِمْ) عطف على "كثرة السؤال"، لا على "السؤال"، إذ الاختلاف، وإن قلّ يؤدّي إلى الهلاك. ويحتمل أنه عطف على "سؤالهم"، فهو إِخْبَارًا عمن تقدّم بأنه كَثُرَ اختلافهم في الواقع، فأدّاهم إلى الهلاك، وهو لا ينافي أن القليل من الاختلاف مؤدّ إلى الفساد. قاله السنديّ (?).
(عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ) يعني أنهم إذا أمرهم الأنبياء بعد السؤال، أو قبله اختلفوا عليهم،