فرضه قبل ذلك. وقد وقع في قصّة ضمام بن ثعلبة ذكر الأمر بالحجّ، وكان قدومه على ما ذكر الواقديّ سنة خمس، وهذا يدلّ -إن ثبت- على تقدّمه على سنة خمس، أو وقوعه فيها. انتهى (?). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السادسة): في اختلاف العلماء في كون الحجّ على الفور، أم على التراخي؟:
قال الإمام النوويّ -رحمه اللَّه تعالى- في "شرح المهذّب": ما حاصله: ذهب إلى أن الحجّ على التراخي الشافعيُّ، والأوزاعيّ، والثوريّ، ومحمد بن الحسن، ونقله الماوَرْدِيُّ عن ابن عبّاس، وأنس، وجابر، وعطاء، وطاوس، - رضي اللَّه تعالى عنهم -.
وذهب إلى أنه على الفور مالك، وأبو يوسف، والمزنيّ، وهو قول جمهور أصحاب أبي حنيفة، ولا نصّ لأبي حنيفة في ذلك.
واحتجّ لهم بقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} وهذا أمر، والأمر يقتضي الفور، وبحديث ابن عباس - رضي اللَّه تعالى عنهما -: "من أراد الحجّ فليعجل"، وبالحديث الآخر: "من لم يمنعه من الحجّ حاجة، أو مرضٌ حابسٌ، أو سلطان جائرٌ، فليمت إن شاء يهوديًّا، أو نصرانيًّا". ولأنها عبادة تجب الكفّارة بإفسادها، فوجبت على الفور كالصوم، ولأنها عبادة تتعلّق بقطع مسافة بعيدة كالجهاد، ولأنه إذا لزمه الحجّ، وأخّره، إما أن تقولوا: يموت عاصيًا، وإما غير عاص، فإن قلتم: ليس بعاص خرج الحجّ عن كونه واجبًا، وإن قلتم: عاصٍ، فإن ما أن تقولوا: عصى بالموت، أو بالتأخير، ولا يجوز أن يعصي بالموت؛ إذ لا صنع له فيه، فثبت أنه بالتأخير، فدلّ على وجوبه على الفور.
واحتجّ الأولون القائلون بالتراخي بأن فريضة الحجّ نزلت بعد الهجرة، وفتح رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - مكّة في رمضان سنة ثمان، وانصرف عنها في شوّال من سنته، واستخلف عتّاب بن أَسِيد، فأقام للناس الحجّ سنة ثمان، بأمر رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وكان رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - مقيمًا بالمدينة هو، وأزواجه، وعامّة أصحابه، ثم غزا غزوة تبوك في سنة تسع، وانصرف عنها قبل الحجّ، فبعث أبا بكر - رضي اللَّه تعالى عنه -، فأقام للناس الحجّ سنة تسع، ورسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وأزواجه، وعامّة أصحابه قادرون على الحجّ، غير مشتغلين بقتال، ولا غيره، ثمّ حجّ النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بأزواجه، وأصحابه كلّهم سنة عشر، فدلّ على جواز تأخيره. هذا دليل الشافعيّ، وجمهور أصحابه.
قال البيهقيّ: وهذا الذي ذكره الشافعيّ مأخوذ من الأخبار، قال: فأما نزول فرض