عَرَض الدنيا على الآخرة، مع أن العادة تقتضي بيع مثل ذلك برخص لغير المتصدّق، فكيف بالمتصدّق، فيصير راجعًا في ذلك المقدار الذي سومح فيه.
(وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ) أي بثمن قليل. وهذا مبالغة في رُخصه، وهو الذي حمل عمر - رضي اللَّه تعالى عنه - على الشراء.
ويستفاد منه أن البائع كان قد ملكه، ولو كان حبيسًا كما ادعاه من قال بجواز بيعه؛ لكونه صار لا ينتفع به فيما حبس له لما كان له أن يبيعه إلا بالقيمة الوافرة، ولا كان له أن يسامح منها بشيء، ولو كان المشتري هو الْمُحَبِّس.
وقد استَشكَلَ الإسماعيليّ، فقال: إذا كان شرط الواقف ما ثبت في حديث ابن عمر في وقف عمر - رضي اللَّه تعالى عنهما -: "لا يُباع أصله، ولا يوهب"، فكيف يجوز أن يباع الفرس الموهوب، وكيف لا يُنهى بائعه، أو يمنع من بيعه؟.
قال: فلعلّ معناه أن عمر جعله صدقة يعطيها من يرى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - إعطاءه، فأعطاه النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - الرجل المذكور، فجرى منه ما ذكر.
ويستفاد من التعليل المذكور أيضًا أنه لو وجده مثلًا يباع بأغلى من ثمنه لم يتناوله النهي. أفاده في "الفتح" (?).
(فَإِن الْعَائِدَ) الفاء للتعليل (فِي صَدَقَتِهِ، كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ) الغرض من التشبيه تقبيح صورة ذلك الفعل. وفي رواية: "كالعائد في قيئه" واستدلّ به على تحريم ذلك؛ لأن أكل القيء حرام. قال القرطبيّ: وهذا هو الظاهر من سياق الحديث. ويحتمل أن يكون التشبيه للتنفير خاصّة؛ لكون القيء مما يُستقذر، وهو قول الأكثرين. ويلتحق بالصدقة الكفّارات، والنذر، وغيرهما من القربات. وأما إذا ورثه فلا كراهة، وأبعد من قال: يتصدّق به.
[تنبيه]: زاد في رواية سالم عند البخاريّ في آخره: "ولهذا كان ابن عمر لا يترك أن يبتاع شيئًا تصدّق به إلا جعله صدقة". يعني أن ابن عمر كان إذا اتفق له أن يشتري شيئًا مما تصدق به لا يتركه في ملكه حتى يتصدّق به، وكأنه فهم أن النهي عن شراء الصدقة إنما هو دمن أراد أن يتملّكها، لا لمن يردّها صدقة. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته: