الإنفاق -أي وطاوعت يداه بالعطاء-. والبخيل إذا حدّث نفسه بالصدقة شحّت نفسه، فضاق صدره، وانقبضت يداه: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9] انتهى.

وقال الطيبيّ: أوقع المتصدّق مقابل البخيل، والمقابل الحقيقيّ السخيّ، إيذانًا بأنّ السخاء ما أَمَرَ به الشرع، وندب إليه من الإنفاق، لا ما يتعاناه المبذّرون، وخصّ المشبّه بهما بلبس الجبّتين من الحديد، إعلامًا بأن الشحّ، والقبض من جبلّة الإنسان، وخلقته، وأنّ السخاء من عطاء اللَّه تعالى، وتوفيقه، يمنحه من يشاء من عباده المفلحين، وخصّ اليد بالذكر؛ لأنّ السخيّ، والبخيل يوصفان ببسط اليد وقبضها، فإذا أريد المبالغة في البخل قيل: مغلولة يده إلى عنقه، وثديه، وتراقيه. وإنما عدل عن الغُلّ إلى الدرع لتصوّر معنى الانبساط والتقلّص، والأسلوبُ من التشبيه المفرّق، شبّه السخيّ الموفّق، إذا قصد التصدّق، يسهل عليه، ويطاوعه قلبه بمن عليه الدرع، ويده تحت الدرع، فإذا أراد أن يُخرجها منها، وينزعها يسهل عليه، والبخيل على عكسه انتهى.

وقال المنذريّ: شبّه - صلى اللَّه عليه وسلم - نِعَمَ اللَّه تعالى، ورزقه بالْجُنَّة، وفي رواية بالْجُبَّة، فالمنفق كلّما أنفق اتسعت عليه النعم، وسَبَغَت، ووَفَرَت حتّى تستره سَتْرًا كاملًا شاملًا. والبخيل كلّما أراد أن يُنفق منعه الشحّ، والحرص، وخوف النقص، فهو بمنعه يطلب أن يزيد ما عنده، وأن تتّسع عليه النعم، فلا تتّسع، ولا تستر منه ما يروم ستره. انتهى (?).

واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): في درجته:

حديث أبي هريرة - رضي اللَّه تعالى عنه - هذا متّفقٌ عليه.

(المسألة الثانية): في بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:

أخرجه هنا-61/ 2547 و 2548 - وفي "الكبرى" 63/ 2327 و 2328. وأخرجه (خ) في "الزكاة" 1252 وفي "الجهاد والسير" 2701 وفي "اللباس" 5351 (م) في "الزكاة" 1695 و 1696 (أحمد) في "باقي مسند المكثرين" 7171 و 8696 و 10352. واللَّه تعالى أعلم.

(المسألة الثالثة): في فوائده:

(منها): ما ترجم له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو بيان صفة البخيل في الصدقة،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015