(إِلَى تَرَاقِيهِمَا) بفتح المثنّاة الفوقيّة، وقاف، جع تَرْقُوة -بفتح المثنّاة، وسكون الراء، وفتح الواو-: هما العظمان المشرفان في أعلى الصدر.

قال في "المصباح": التَّرْقُوَة: وزنَهُا فَعْلُولَةٌ -بفتح الفاء، وضمّ اللام- وهو العظم الذي بين ثُغْرَة النَّحْر والعاتق من الجانبين، والجمع التَرَاقِي. قال بعضهم: ولا تكون التَّرْقُوة لشيء من الحيوان إلا للإنسان انتهى.

وهذا إشارة إلى ما جُبل عليه الإنسان من الشحّ، ولذا جمع بين البخيل، والجواد فيه (فَإِذَا أَرَادَ الْمُنْفِقُ أَنْ يُنْفِقَ، اتَّسَعَتْ عَلَيْهِ الدِّرْعُ) -بكسر، فسكون-: قال الفيّوميّ -رحمه اللَّه تعالى-: دِرْعُ الحديد مؤنّثةٌ في الأكثر، وتُصغّر على دُريع، بغير هاء على غير قياس، وجاز أن يكون التصغير على لغة من ذكّر، وربّما قيل: دُريعةٌ بالهاء، وجمعها أَدْرُعٌ، ودُرُوعٌ، وأدراعٌ. قال ابن الأثير: وهي الزَّرَدِية. ودرع المرأة: قميصها مذكّر انتهى.

وفيه إشارة إلى ما يُفيض اللَّه تعالى على من يشاء من التوفيق للخير، فيشرح لذلك صدره (أَوْ مَرَّتْ) أي جازت ذلك المحلَّ. و"أو" للشكّ من بعض الراوة (حَتَّى تُجِنَّ) - بضمّ أوّله، وكسر الجيم، وتشديد النون- من أجنّ الشيءَ: إذا ستره، أي تستر (بَنَانَهُ) بالنصب مفعول "تُجنّ" وهو -بفتح الموحّدة، ونونين خفيفتين- قال الفيّوميّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- تعالى: البَنَانُ: الأصابع. وقيل: أطرافها، الواحدة بَنَانَةٌ. قيل: سمّيت بَنَانًا؛ لأنّ بها صلاحَ الأحوال التي يستقرّ بها الإنسان؛ لأنه يقال: أَبَنَّ بالمكان: إذا استقرّ به. انتهى.

(وَتَعْفُوَ أَثَرَهُ) أي تمحوَ أثر مشيه بسبوغها، وكمالها. يقال: عما المنزلُ عَفْوًا، وعَفَاءً -بالفتح، والمدّ: دَرَسَ، وعَفَتْهُ الريحُ، يُستعمل لازمًا، ومتعدّيًا، ومنه: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ}: أي محا ذنوبك، وعفوتُ الحقّ: أسقطته، كأنّك محوته عن الذي هو عليه، وعافاه اللَّه: محا عنه الأسقام. قاله الفيّوميّ.

والمناسب هنا المتعدّي، ولذا نَصَبَ "أثرَهُ". والمعنى: أن الصدقة تستر خطاياه، كما يغطّي الثوبُ الذي يُجَرُّ على الأرض أثرَ صاحبه، إذا مشى بمرور الذيل عليه. قاله في "الفتح".

وقال النوويّ نقلًا عن القاضي عياض -رحمهما اللَّه تعالى-: هو تمثيلٌ لنماء المال بالصدقة، والإنفاق، والبخل بضد ذلك. وقيل: هو تمثيلٌ لكثرة الجود والبخل، وأنّ المعطي إذا أعطى انبسطت يداه بالعطاء، وتعوّد ذلك، وإذا أمسك صار ذلك عادةً له.

وقيل: معنى "تعفو أثره" أي تَذْهَبَ بخطاياه، وتمحوها. وقيل في البخيل: "قلَصَت، ولَزِمَت كلُّ حلقة مكانها": أي يُحمَى عليه يوم القيامة، فيكوى بها. والصواب الأوّل، والحديث جاء على التمثيل، لا على الخبر عن كائن. وقيل: ضرب المثل بهما؛ لأنّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015