يعرف بها، فيكون برهانًا له على حاله، ولا يسأل عن مصرف ماله. وقال غير صاحب "التحرير": معناه الصدقة حجة على إيمان فاعلها، فإن المنافق يمتنع منها؛ لكونه لا يعتقدها، فمن تصدّق استُدلّ بصدقته على صدق إيمانه. واللَّه أعلم انتهى كلام النوويّ (?).

وقال القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: برهان على صحة إيمان المتصدّق، أو على أنه ليس من المنافقين الذين يَلمزون المطّوعين من المؤمنين في الصدقات. أو على صحّة محبة المتصدّق للَّه تعالى، ولما لديه من الثواب؛ إذ قد آثر محبّة اللَّه تعالى، وابتغاء ثوابه على ما جُبل عليه من حبّ الذهب والفضّة؛ حتى أخرجه للَّه تعالى (?).

(وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ) قال أبو العباس القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: كذا صحّت روايتنا فيه، وقد رواه بعض المشايخ: "والصوم ضياء" بالميم، ولم تقع لنا تلك الرواية، على أنه يصحّ أن يعبّر بالصبر عن الصوم، وقد قيل ذلك في قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} الآية [البقرة: 45] فإن تنزّلنا (?) على ذلك؛ فيقال في كون الصبر ضياء؛ كما قيل في كون الصلاة نورًا، وحينئذ لا يكون بين النور والضياء فرقٌ معنويٌّ، بل لفظيٌّ.

والأَوْلَى أن يقال: إن الصبر في هذا الحديث غير الصوم، بل هو الصبرُ على العبادات، والمشاقّ، والمصائب، والصبرُ عن المخالفات، والمنهيّات؛ كاتباع هوى النفس، والشهوات، وغير ذلك، فمن كان صابرًا في تلك الأحوال متثبّتًا فيها؛ مقابلًا لكلّ حال بما يليق به ضاءت له عواقب أحواله، ووضَحَت له مصالح أعماله، فظَفِرَ بمطلوبه، وحَصَل من الثواب على مرغوبه، كما قيل [من الطويل]:

فَقَلَّ مَنْ جَدَّ فِي أَمْرٍ تَطَلَّبَهُ ... وَاسْتعمَلَ الصَّبْرَ إِلاَّ فَازَ بِالظَّفَرِ

انتهى كلام القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى- (?).

وقال النوويّ -رحمه اللَّه تعالى-: معناه: الصبر المحبوب في الشرع، وهو الصبر على طاعة اللَّه تعالى، والصبر عن معصيته، والصبر أيضًا على النائبات، وأنواع المكاره في الدنيا، والمراد أن الصبر محمود، ولا يزال صاحبه، مستضيئا، مهتديًا، مستمرًا على الصواب. قال إبراهيم الخوّاص: الصبر هو الثبات على الكتاب والسنّة. وقال ابن عطاء: الصبر الوقوف مع النبلاء بحسن الأدب. وقال الأستاذ أبو عليّ الدّقّاق: حقيقة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015