قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الجمع الذي ذكره الإمام ابن كثير -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- في وجه الجمع حسنٌ جدّا؛ إذ به تجتمع النصوص المذكورة ونحوها، دون تعارض. واللَّه تعالى أعلم.
(وَالصَّلاَةُ نُورٌ) قال أبو العباس القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: معناه: أن الصلاة إذا فُعلت بشروطها المصحّحة، والمكمّلة نوّرت القلب؛ بحيث تشرق فيه أنوار المكاشفات والمعارف، حتى ينتهي أمر من يراعيها حقّ رعايتها أن يقول: "وجُعلت قرّة عيني في الصلاة" (?) وأيضًا فإنها تنوّر بين يدي مُراعيها يوم القيامة في تلك الظُّلَم. وأيضًا تنوّر وجه المصليّ يوم القيامة، فيكون ذا غرّة وتحجيل، كما ورد في حديث عبد اللَّه بن بُسْر - رضي اللَّه عنه -، مرفوعًا: "أمتي يوم القيامة غُرٌّ من السجود، محجّلون من الوضوء" (?) انتهى كلام القرطبيّ (?) واللَّه تعالى أعلم.
وقال النوويّ -رحمه اللَّه تعالى-: معناه: أنها تمنع من المعاصي، وتنهى عن الفحشاء والمنكر، وتهدي إلى الصواب؛ كما أن النور يُستضاء به. وقيل: معناه أنه يكون أجرها نورًا لصاحبها يوم القيامة. وقيل: لأنها سبب لإشراق أنوار المعارف، وانشراح القلب، ومكاشفات الحقائق؛ لفراغ القلب فيها، وإقباله إلى اللَّه تعالى بظاهره وباطنه، وقد قال
اللَّه تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} الآية [البقرة: 45]. وقيل: معناه أنها تكون نورًا ظاهرًا على وجهه يوم القيامة، ويكون في الدنيا أيضا على وجهه البهاء، بخلاف من لم يصلّ. واللَّه أعلم. انتهى (?).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: لا مانع من إرادة جميع هذه المعاني في هذا الحديث، فلا تدافع بين هذه الأقوال، لأن النصّ يحتمل جميعها. واللَّه تعالى أعلم.
(وَالزَّكَاةُ بُرْهَانٌ) ولفظ مسلم: "والصدقة برهان". أي دليل على صدق صاحبها في دعوى الإيمان؛ إذ الإقدام على بذل المال خالصًا للَّه تعالى لا يكون إلا ممن هو صادق في إيمانه.
وقال النوويّ -رحمه اللَّه تعالى-: قال صاحب "التحرير": معناه يُفزَع إليها كما يُفزَع إلى البراهين، كأن العبد إذا سئل يوم القيامة عن مصرف ماله كانت صدقاته براهين في جواب هذا السؤال، فيقول: تصدّقت به. قال: ويجوز أن يوسم المتصدّق بسيماء