والأظهر الأنسب لما في الكتاب أن يقال: أراد بالإيمان الصلاة، كما في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} الآية [البقرة: 143]، والكلام على تقدير مضاف، أي إكمال الوضوء شطر إكمال الصلاة، وتوضيحُهُ أن إكمال الصلاة بإكمال شرائطها الخارجة عنها، وأركانها الداخلة فيها، وأعظم الشرائط الوضوء، فجُعل إكماله نصف إكمال الصلاة.

ويحتمل أن المراد الترغيب في إكمال الوضوء، وتعظيم ثوابه حتى بلغ إلى نصف ثواب الإيمان. واللَّه تعالى أعلم انتهى كلام السنديّ (?).

وقال العلاّمة القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: وقد اختُلف في معنى قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "الطهور شطر الإيمان" على أقوال كثيرة:

أَوْلَاها: أن يقال: إنه أراد بالطهور الطهارة من المستخبثات الظاهرة والباطنة، والشطر النصف، والإيمان هنا هو بالمعنى العامّ، كما قد دلّلْنا عليه بقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "الإيمان تصديق بالقلب، وإقرار باللسان، وعملٌ بالأركان" (?) ولا شكّ أن هذا الإيمان ذو خصال كثيرة، وأحكام متعدّدة، غير أنها منحصرة فيما ينبغي التنزّه والتطهّر منه، وهي كلّ ما نهى الشرع عنه، وفيما ينبغي التلبّس، والاتصاف به، وهي كلّ ما أمر الشرع به، فهذان الصنفان عُبّر عن أحدهما بالطهارة على مستعمل اللغة، وهو كما قد روي مرفوعًا: "الإيمان نصفان: نصف شكر، ونصف صبر" (?).

وقد قيل: إن الطهارة الشرعيّة لما كانت تكفّر الخطايا السابقة، كانت كالإيمان الذي يَجُبّ ما قبله". فكانت شطر الإيمان بالنسبة إلى هو الخطايا. وهذا فيه بُعْد؛ إذ الصلاة وغيرها من الأعمال الصالحة، تكفّر الخطايا؛ فلا يكون لخصوصية الطهارة بذلك معنى. ثم لا يصحّ أيضًا معنى كون الطهارة نصف الإيمان بذلك الاعتبار؛ لأنها إنما تكون مثلًا له في التكفير؛ ولا يقال على المثل للشيء: شطره.

وقيل: إن الإيمان هنا يُراد به الصلاة، كما قال اللَّه تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} الآية [البقرة: 143] أي صلاتكم على قول المفسّرين، ومعناه على هذا: أن الصلاة لما كانت مفتقرة إلى الطهارة، كانت كالشطر لها. وهذا أيضًا فاسد؛ إذْ لا يكون

طور بواسطة نورين ميديا © 2015