إلى هذا المركّب من الخمسة الأجزاء، وهي سواء في صدقه عليها، فلا فروع، ولا أصول، بل هذه تسمية مبتدعة، وإذا كان كذلك، فالدخول في هذا الإسلام مخاطب به كلّ مكلّف، الكافر مكلّف بالدخول فيه، والاتصاف به، والمسلم مكلّف بالاستمرار عليه، فإن امتنع الكافر عن الدخول فيه عُذّب على تركه كما يُعذّب المسلم على تركه لأيّ أجزائه عمدًا، فالكفار مخاطبون بهذا الذي اصطلحوا على تسميته فروعًا، فإن امتنع الكافر عن الإسلام عوقب على تركه الإسلام بجميع أجزائه بلا فرق. وقالت الكفّار لَمّا سُئلوا: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} الآية [المدثر: 42، 43].والرسل من أولهم إلى آخرهم يقولون لأممهم: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 59]، وعبادته المأمور بها شاملة لكلّ ما تأمرهم به الرسل مما سَمَّوه أصولاً، وفروعًا، وهذا شيء دخيل. قال: ولكن لما قسموا الإسلام إلى الأمرين، فشا لهم الخلاف في مسألة خطاب الكفار بالفروع، وأطالوا المسألة، والمقاولة في الأصول الفقهيّة، وإلا فهذا شيء لا يُعرَف في سلف الأمّة، وعصر النبوّة انتهى كلام الصنعانيّ (?).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي قاله العلاّمة الصنعانيّ -رحمه اللَّه تعالى- بحثٌ نفيس، وتحرير أنيس. واللَّه تعالى أعلم.
وقيل: الحكمة في ترتيب الزكاة على الصلاة أن الذي يقرّ بالتوحيد، ويجحد الصلاة يكفر بذلك، فيصير ماله فيئًا، فلا تنفعه الزكاة.
قال الحافظ: وأما قول الخطابي: إن ذكر الصدقة أُخّر عن ذكر الصلاة؛ لأنها إنما تجب على قوم دون قوم، وأنها لا تكرر تكرار الصلاة. فهو حسن، وتمامه أن يقال: بدأ بالأهمّ، فالأهمّ، وذلك من التلطّف في الخطاب، لأنه لو طالبهم بالجميع في أول مرّة لم يأمن النفرة (?).
وقال الإمام ابن دقيق العيد -رحمه اللَّه تعالى-: قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "فإن هم أطاعوا لك بذلك". طاعتهم في الإيمان بالتلفّظ بالشهادتين، وأما طاعتهم في الصلاة، فتحتمل وجهين: أحدهما أن يكون المراد إقرارهم بوجوبها، وفرضيتها عليهم، والتزامهم لها.
والثاني: أن يكون المراد الطاعة بالفعل، وأداء الصلاة، وقد رجّح الأول بأن المذكور في لفظ الحديث هو الإخبار بالفرضيّة، فتعود الإشارة بذلك إليها. ويترجّح الثاني بأنهم لو أُخبروا بالوجوب، فبادروا بالامتثال بالفعل لكفى، ولم يشترط تلفّظهم بالإقرار بالوجوب، وكذلك نقول في الزكاة: لو امتثلوا بأدائها من غير تلفّظ بالإقرار