الفجر، وهو يأكل، أو يشرب، فنزع تم صومه، وفيه اختلاف بين العلماء، ولو أكل ظانا أن الفجر لم يطلع لم يفسد صومه عند الجمهور؛ لأن الآية دلّت على الإباحة إلى أن يحصل التبين. وقد روى عبد الرزّاق بإسناد صحيح، عن ابن عباس - رضي اللَّه عنهما -، قال: "أحلّ اللَّه لك الأكل والشرب ما شككت". ولابن أبي شيبة عن أبي بكر وعمر نحوه. وروى ابن أبي شيبة من طريق أبي الضحى، قال: سأل رجل ابن عباس عن السحور؟ فقال له رجل من جلسائه: كل حتى لا تشكّ، فقال ابن عباس: إن هذا لا يقول شيئًا، كل ما شككت حتى لا شككت.
قال ابن المنذر: وإلى هذا القول صار أكثر العلماء. وقال مالك: يقضي. وقال ابن بزيزة في "شرح الأحكام": اختلفوا هل يحرم الأكل بطلوع الفجر، أو بتبيّنه عند الناظر تمسكًا بظاهر الآية، واختلفوا هل يجب إمساك جزء قبل طلوع الفجر، أم لا؟ بناءً على الاختلاف المشهور في مقدّمة الواجب انتهى.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الحق أن تحريم الأكل ونحوه متعلّق بتبيّن الفجر، وتحققه، لا بمجرّد الطلوع، لظاهر الآية الكريمة، وأما القول بوجوب إمساك جزء من الليل، فبطلانه واضح؛ لمصادمته ظاهر الآية. فتبصّر، ولا تتحيرّ.
وقد تقدّم تحقيق القول في ذلك في باب [تأخير السحور] 20/ 2152 و 2153 و 2154. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".
...
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: "كيف"، ويقال فيها: "كي" بحذف الفاء: كلمة يُستفهم بها عن حال الشيء، وصفته، يقال: كيف زيد، ويُراد السؤال عن صحّته، وسُقْمه، وعسره، ويسره، وغير ذلك، وتأتي للتعجّب، والتوبيخ، والإنكار، كقوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ} الآية [البقرة: 28]، وللحال ليس معه سؤال، وقد تتضمّن معنى النفي، وكيفيّةُ الشيء حالُهُ وصفتُهُ (?).
والمراد هنا المعنى الأول، أي ما هو صفة الفجر الذي جعله اللَّه علامة لانتهاء جواز