وروى ابن أبي شيبة من طريق حفص، عن جعفر، عن أبيه، قال: "ألحد لرسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وألقى شقران في قبره قطيفة، كان يركب بها في حياته". وهذا مرسل صحيح. وأيضًا لماذا يخصّ شقران القطيفة، ويكره أن يلبسها أحد بعده - صلى اللَّه عليه وسلم -، ويترك سائر ما كان يستعمله النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، من قميص، وعمامة، وفراش، فلماذا لم يدفن جميع ذلك معه، هذا شيء عجيب.

ومنها: ما ذكره عن ابن عباس أنه كره ذلك، وهذا غير صحيح أيضًا، لأنه ليس له إسناد، فقد ذكره الترمذيّ -1/ 195 - تعليقًا بلا إسناد، وكذا البيهقي الذي نقل النووي عنه هذا الكلام ذكره في "سننه" 3/ 408 بلفظ: "وقد روي عن يزيد بن الأصمّ، عن ابن عباس أنه كره أن يجعل تحت الميت ثوبا في القبر انتهى.

فهذا غاية ما خالف فيه ابن عباس شُقران على زعم النوويّ، فكيف يُعارَض بمثل هذا ما صحّ في صحيح مسلم وغيره عنه أنه أثبت ذلك؟.

ومن الغريب جعل قول البغويّ من الشافعية شاذّا مع أن الدليل الصحيح، معه، إن هذا لشيء غريب!.

وبالجملة فدعوى عدم علم الصحابة بذلك عجيب!، فكيف لا يعلمون ذلك، وقد تولى جماعة دفنه - صلى اللَّه عليه وسلم -، ولم ينفرد شقران بدفنه، حتى يخفى على الآخرين وضع القطيفة تحته - صلى اللَّه عليه وسلم -؟.

ومن الغريب أيضًا ما رجحه العراقيّ في ألفية السيرة، من أن تلك القطيفة أخرجت بعد ما فُرشت، حيث قال فيها:

وَفُرِشَتْ فِي قَبْرِهِ قَطِيفَةُ ... وَقِيلَ أُخْرِجَتْ وَهَذَا أَثْبَتُ

وهذا قاله تبعًا لابن عبد البرّ، فإنه رجح ذلك، وهذا لا يثبت، فإنه رواه الواقديّ، عن عليّ بن حسين -كما ذكره الحافظ في "التلخيص الحبير" ج 2 ص 263 - وهذا مرسل، والكلام في الواقديّ شهير، فكيف يُرَجَّح ما هذا حاله على ما ثبت في "صحيح مسلم"، وغيره؟.

والحاصل أن الصواب جواز وضع الثوب تحت الميت، كما هو ظاهر مذهب المصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-، كما أشرت إليه في أول الباب. وقد ذهب إلى هذا القول الإمام أبو محمد ابن حزم -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-، ودونك عبارته: "مسألة:- ولا بأس بأن يُبسط في القبر تحت الميت ثوب". لما روينا من طريق مسلم، نا محمد بن المثنى، نا يحعرو بن سعيد القطان، نا شعبة، نا أبو جمرة، عن ابن عبّاس، قال: "بُسط في قبر رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قطيفة حمراء". ورواه أيضًا كذلك وكيع، ومحمد بن جعفر، ويزيد بن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015