وممن استحبّ اللحد إبراهيم النخعيّ، وإسحاق بن راهويه، وأصحاب الرأي، وكان الشافعيّ يقول: إذا كانوا بأرض شديدة لحُدِ لَهم، وإن كانوا ببلاد رقيقة شُقَّ لهم شقٌّ.
قال ابن المنذر: الذي قاله الشافعيّ حسنٌ انتهى (?).
وقال النوويّ في "شرح المهذب": أجمع العلماء على أن الدفن في اللحد، والشقّ جائزان. لكن إن كانت الأرض صلبة لا ينهار ترابها، فاللحد أفضل، لما سبق من الأدلّة، وإن كانت رخوة تنهار، فالشقّ أفضل. قال الشافعيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- في "الأمّ"، وأصحابنا: فان اختار الشقّ حفَرَ حَفِيرة كالنهر، وبنى جانبيها باللبن، أو غيره، وجعل بينهما شقّ، يوضع فيه الميت، ويسقّف عليه باللبن، أو الخشب، أو غيرهما، ويرفع السقف قليلًا، بحيث لا يمسّ الميت، ويجعل في شقوقه قطع اللبن. قال الشافعيّ في "الأمّ": ورأيتهم عندنا، يعني مكة -شرفها اللَّه- يضعون على السقف الإذخر، ثم يضعون عليه التراب انتهى (?).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قد تَبيّن بما ذُكر من الأحاديث، وأقوال أهل العلم أن الأفضل هو اللحدُ، ويجوز الشقّ، ولا سيّما إذا كانت الأرض رخوة، كما بينه الإمام الشافعيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".
...
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: "ما" هذه موصولة، و"يستحب" صلتها، و"من إعماق القبر" بيان لـ"ما".
هكذا صرّح المصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- باستحباب إعماق القبر، والظاهر أنه واجب، للأمر به، ولا سيّما وأمره - صلى اللَّه عليه وسلم - كان في وقتٍ أصاب الصحابةَ - رضي اللَّه عنهم - وقرحٌ شديدٌ، فلو كان مستحبّا لرخّص لهم في تركه، فإنهم ما سألوه عن ذلك إلا طلبًا