أخرى، وتضمّن ذلك التسريحَ، والضَّفْرَ، بناء على أن الغالب في أن الضفر بعد التسريح، وإن كان هذا اللفظ لا يُشعر به صريحًا، وقد جاء في رواية في "الصحيح": "فمَشَطْناها ثلاثة قرون"، وبه قال الشافعيّ، وأحمد، وإسحاق، وابن حبيب المالكي.
وقال الأوزاعيّ، والكوفيون: لا يستحبّ المشط، ولا الضَّفْر، بل يُرسَل شعرها على جانبيها مفرّقًا. ونقل القرطبيّ عن الأوزاعيّ أنه لا يجب الْمَشْطُ، وما نقلناه عن الأوزاعيّ تبعنا فيه النووي -رَحِمَهُ اللَّهُ-، ولم يَعرِف ابنُ القاسم الضَّفْر، وقال: يُلَفّ. وقال بعض الشافعية -فيما حكاه الشيخ تقي الدين-: تُجعَل الثلاث خلف ظهرها، قال: ورَوَى في ذلك حديثًا أثبت استحبابه به، وهو ثابت من فعل من غَسَل بنت رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، أي كما أخرجه البخاريّ من حديث أم عطيّة (?) - رضي اللَّه عنها -.
وقال ابن الجوزيّ: إنه السنّة، قال القاضي: ومن حجة مَن مَنَعَ الاستحباب أنه ليس في الحديث معرفة النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - بفعل أم عطية، فيُجعلَ سنةً وحجةً. قال النوويّ: الظاهر اطلاعه عليه، واستبيانه فيه كما في غيرها. واعترض عليه الفاكهيّ، فقال: هذا الظاهر عنده، غير ظاهر.
قال ابن الملقّن: قلت: عجيب منه، ومن القاضي عياض، ففي "صحيح ابن حبّان" أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أمر بذلك، ولفظ روايته: "واجعلن لها ثلاثة قرون"، وترجم عليه: "باب ذكر البيان بأنّ أم عطيّة إنما مَشَطَت قرونها بأمر المصطفى - صلى اللَّه عليه وسلم -، لا من تلقاء نفسها"، فاستفيد ذلك، ولم يطّلع القرطبيّ أيضًا على هذه الرواية، فادعى أن ذلك لم يرد مرفوعًا انتهى كلام ابن الملقن -رحمه اللَّه تعالى- (?).
وقال في "الفتح": وقد رواه سعيد بن منصور بلفظ الأمر من رواية هشام، عن حفصة، عن أم عطيّة، قالت: قال لنا رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - "اغسلنها وترًا، واجعلن شعرها ضفائر". انتهى (?).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قد تبيّن بما ذُكر أن المذهب الراجح مشروعية نقض شعر رأس الميت، وتسريحه، وجعله ثلاث ضفائر، وإلقاؤه خلف ظهره، لصحة الأحاديث بذلك، على قدّمنا، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".
...