وظاهر الحديث انحصار حال المكلّف في هاتين الحالتين، وبقي قسم ثالث، وهو أن يكون مخلّطًا، فيستمر على ذلك، أو يزيد إحسانا، أو يزيد إساءة، أو يكون محسنًا، فينقلب مسيئًا، أو يكون مسيئًا، فيزداد إساءة.

والجواب أنّ ذلك خرج مخرج الغالب، لأن غالب حال المؤمنين ذلك، ولا سيما والمخاطب بذلك شفاهًا الصحابة.

قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وقد خطر لي في معنى الحديث أن فيه إشارة إلى تغبيط المحسن بإحسانه، وتحذير المسيء من إساءته، فكأنه يقول: من كان محسنًا فليترك تمني الموت، وليستمرّ على إحسانه، والازدياد منه، ومن كان مسيئًا فليترك تمني الموت، وليُقلِع عن الإساءة، لئلا يموت على إساءته، فيكون على خطر، وأما من عدا ذلك ممن تضمنه التقسيم فيؤخذ حكمه من هاتين الحالتين، إذ لا انفكاك عن أحدهما واللَّه أعلم انتهى كلام الحافظ -رحمه اللَّه تعالى- (?).

وقال في "كتاب المرضى": ما حاصله: وفي قوله: "إما محسنا الخ" إشارة إلى أن المعنى في النهي عن تمني الموت، والدعاء به هو انقطاع العمل بالموت، فإن الحياة يتسبب منها العمل، والعمل يُحَصِّل زيادة الثواب، ولو لم يكن إلا استمرار التوحيد، فهو أفضل الأعمال.

ولا يرد على هذا أنه يجوز أن يقع الارتداد -والعياذ باللَّه تعالى- عن الإيمان لأن ذلك نادر، والإيمان بعد أن تُخالط بشاشته القلوب لا يَسخطه أحد، وعلى تقدير وقوع ذلك -وقد وقع لكن نادرًا- فمن سبق له في علم اللَّه خاتمة السوء فلا بدّ من وقوعها، طال عمره أو قصر، فتعجيله بطلب الموت لا خير له فيه. ويؤيده حديث أبي أمامة - رضي اللَّه عنه -: أن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - قال لسعد: "يا سعد إن كنت خُلقت للجنة، فما طال من عمرك، أو حسن من عملك، فهو خير لك". أخرجه أحمد بسند ليّن (?).

ووقع في رواية همّام، عن أبي هريرة عند أحمد ومسلم: "وأنه لا يزيد المؤمنَ عمره إلا خيرًا".

واستُشْكِلَ بأنه قد يعمل السيئات، فيزيده عمره شرّا. وأجيب بأجوبة:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015