يشقّ عليه القيام أجزأه، وكان هو، ومن صلى قائمًا سواءً، قال: فلو تحامل هذا المعذور، وتكلف القيام، ولو شق عليه كان أفضل لمزيد أجر تكلّف القيام، فلا يمتنع أن يكون أجره على ذلك نظير أجره على أصل الصلاة، فيصحّ أن أجر القاعد على النصف من أجر القائم، ومن صلّى النفل قاعدًا مع القدرة على القيام أجزأه، وكان أجره على النصف من أجر القائم بغير إشكال.

وأما قول الباجيّ: إن الحديث في المفترض والمتنفّل معًا، فإن أراد بالمفترض ما قرّرناه فذاك، وإلا فقد أبى ذلك أكثر العلماء.

وحكى ابن التين وغيره عن أبي عُبيد، وابن الماجشون، وإسماعيل القاضي، وابن شعبان، والإسماعيليّ، والداوديّ، وغيرهم أنهم حملوا حديث عمران على المتنفّل، وكذا نقله الترمذيّ عن الثوريّ، قال: وأما المعذور إذا صلى جالسًا، فله مثل أجر القائم. ثم قال: وفي هذا الحديث ما يشهد له، يشير إلى ما أخرجه البخاري في "الجهاد"، من حديث أبي موسى - رضي اللَّه عنه -، وقد تقدم لفظه. قال. ويؤيد ذلك قاعدة تغليب فضل اللَّه تعالى، وقبول عذر من له عذر. واللَّه أعلم.

ولا يلزم من اقتصار العلماء المذكورين في حمل الحديث المذكور على صلاة النافلة أن لا تَرِدَ الصورة التي ذكرها الخطابي، وقد ورد في الحديث ما يشهد لها، فعند أحمد من طريق ابن جُريج، عن ابن شهاب، عن أنس، قال: قدم النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - المدينة، وهي مَحَمَّةٌ (?)، فحُمَّ الناسُ، فدخل النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - المسجد، والناس يُصلّوْن من قُعود، فقال: "صلاة القاعد نصف صلاة القائم"، ورجاله ثقات, زاد في رواية: "فتجشّم الناس الصلاةَ قيامًا"، وله متابع عند النسائيّ (?)، من وجه آخر، وهو وارد في المعذور، فيحمل على من تكلّف القيام مع مشقّته عليه، كما بحثه الخطّابيّ.

وأما نفي الخطّابيّ جواز التنفّل مضطجعًا، فقد تبعه ابن بطال على ذلك، وزاد: لكن الخلاف ثابت، فقد نقله الترمذيّ بإسناده إلى الحسن البصريّ، قال: إن شاء الرجل صلى صلاة التطوع قائما، وجالسًا، ومضطجعًا، وقال به جماعة من أهل العلم، وأحد الوجهين للشافعية، وصححه المتأخّرون، وحكاه عياض وجهًا عند المالكيّة أيضًا، وهو اختيار الأبهريّ منهم، واحتجّ بهذا الحديث.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: ما قاله الحسن البصريّ -رحمه اللَّه تعالى-، ومن تبعه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015