بالثمان، فيوافق رواية سعيد، ويؤيده رواية يحيى بن الجزّار الآتية.
ولم أر في شيء من طرق حديث ابن عباس ما يخالف ذلك، لأن أكثر الرواة عنه لم يذكروا عددًا، ومن ذكر العدد منهم لم يزد على ثلاث عشرة، ولم ينقص عن إحدى عشرة، إلا أن في رواية علي بن عبد اللَّه بن عباس عند مسلم (?) ما يُخالفهم، فإن فيه "فصلى ركعتين، أطال فيهما، ثم انصرف، فنام، حتى نفخ، ففعل ذلك ثلاث مرّات، بستّ ركعات، كل ذلك يستاك، ويتوضأ، ويقرأ هؤلاء الآيات -يعني آخر آل عمران- ثم أوتر بثلاث، فأذن المؤذن، فخرج إلى الصلاة".
فزاد على الرواة تكرار الوضوء، وما معه، ونقص عنهم ركعتين، أو أربعا، ولم يذكر ركعتي الفجر أيضًا، وأظن ذلك من الراوي عنه، حبيب بن أبي ثابت، فإن فيه مقالاً، وقد اختُلف عليه فيه في إسناده ومتنه اختلافا، تقدّم ذكر بعضه، ويحتمل أن يكون لم يذكر الأربع الأُوَل كما لم يذكر الْحَكَم الثمانَ كما تقدم، وأما سنة الفجر، فقد ثبت ذكرها في طريق أخرى عن علي بن عبد اللَّه، عند أبي داود.
والحاصل أن مبيت ابن عباس يغلب على الظنّ عدم تعددها، فلهذا ينبغي الاعتناء بالجمع بين مختلف الروايات فيها, ولا شك أن الأخذ بما اتفق عليه الأكثر، والأحفظ أولى مما خالفهم فيه مَن دونهم، ولا سيما إن زاد، أو نقص.
والمُحَقَّقُ من عدد صلاته في تلك الليلة إحدى عشرة، وأما رواية ثلاث عشرة، فيحتمل أن يكون منها سنة العشاء، ويوافق ذلك رواية أبي جمرة، عن ابن عباس بلفظ "كانت صلاة النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - ثلاث عشرة" يعني بالليل، ولم يبين هل سنة الفجر منها، أو لا، وبينها يحيى بن الجزّار، عن ابن عباس عند النسائيّ بلفظ "كان يصلي ثمان ركعات، ويوتر بثلاث، ويصلي ركعتين قبل صلاة الصبح"، ولا يعكر على هذا الجمع إلا ظاهر سياق الباب، فيمكن أن يحمل قوله: "صلى ركعتين، ثم ركعتين" أي قبل أن ينام، ويكون منها سنة العشاء، وقوله: "ثم ركعتين الخ" أي بعد أن قام، وسيأتي نحو هذا الجمع في حديث عائشة - رضي اللَّه عنها -.
وجمع الكرماني بين ما اختلف من روايات قصة ابن عباس هذه باحتمال أن يكون بعض رواته ذكر القدر الذي اقتدى ابن عباس به فيه، وفصله عما لم يقتد به فيه، وبعضهم ذكر الجميع مجملاً. واللَّه أعلم (?).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي الأقرب في وجه الجمع هو الجمع الذي جمع