في السجن

في السجن: وجدت الفراغ الذي كنت أنشده فلا أجده، ولقيت رفاقي الذين كنت أسمع عنهم ولا أسمع منهم، وعثرت على "المختبر" الأساسي للإيمان، والمسبار الحقيقي للأخلاق.

في السجن: عرفت زيف الحياة وباطلها، فقد كنت قبل أن أدخل السجن أتمنى لو أتيح لي فراغ أنظم فيه أشعاري، وألم شعث أفكاري، وأصل إلى ما لم أستطع أن أصل إليه في ضوضاء الحياة من معرفة أسرار الحياة.

فلما دخلت السجن فقدت استقرار النفس، وهدوء البال، فلم أنتفع بالفراغ،

وأدركت أن فراغ الوقت بدون فراغ البال لا قيمة له ولا جدوى منه.

في السجن: أدركت شقاء الوجود وعجز الإنسان عن الوصول إلى سعادته، فقد كنت قبل أن أدخل السجن أشقى بضوضاء الحياة فلما دخلت السجن شقيت بقيود الحياة.

في السجن: عرفت أن للأحرار قيودا كما أن للسيوف غمودا وذكرت قول ابن الجهم:

"قالوا: حبست-. فقلت: ليس بضائري حبسي، وأي مهند لا يغمد؟ "

وقلت: كيف لا يضير المهند أن يغمد؟ وما جدوى المهند في الغمد؟ "وما تصنع بالسيف إذا لم تك قتالا؟ "

في السجن: أكلت من شجرة المعرفة التي أكل منها الإنسان الأول فعرف؛ عرف الخير والشر، فعرف سر الحياة.

وإن أدى ثمن هذه المعرفة غاليا بحرمانه من الجنة التي أخرج منها، كما أديت أنا ثمن هذه المعرفة غاليا، بإخراجي من جنة بلادي إلى هذا السجن ...

طور بواسطة نورين ميديا © 2015