وصغار الطير الملونة الأجنحة والمناقير تستيقظ نشيطة فتحرك أجنحتها في بطء وتمد مناقيرها إلى أعلى تتحسس الحياة وتترقب اليقظة لتتأهب للنهوض من أعشاشها وتنطلق حيث تتجمع حلقا على منصات الشجر، وفوق ذوائب الأغصان لترتيل أنشودة الصباح والسماء الساجية مصحية صافية قد اختفت من صفحتها النجوم، وانحسرت عن محياها الغيوم، وارتدت وشاحا أبيض لماعا كأنما فصل من اللجين، أو صيغ من حور العين.
ولم تلبث عصائب الطير أن تجمعت من أعشاشها واندفعت في جوقة مؤتلفة متسقة ترسل من حناجرها الصغيرة ألحان أنشودة الصباح!
فسرت الحياة في كل شيء، ودبت اليقظة في كل حي، ولم يبق أسير نومه إلا هذا الجاهل المغرور الذي يسمى"الإنسان"، ويتبجح بأنه سيد الأكوان، وهو يبيع أطيب ساعات يومه، بساعة من نومه.
ليت الذي ينام هذه الساعة، عرف قيمة ما أتلف من بضاعة وليت المصر على هذه الهفوه، يدرك مقدار ما بدد من ثروه، في هذه الغفوه.
لو أدرك المسكين ما في هذه اللحظات القصار، من صدر النهار من سحر وفتنة، وصفاء ورقة، لترقبها مطلع كل فجر ترقب الظماء إلى برد الماء ..
إنه يعلم ولكنه قلما انتفع بما يعلم.
ولما عدت إلى البيت بعد أن أرويت غلتي من روعة هذا المشهد وسمع صرعى الكرى، وقع أقدامي على الثرى، ارتفعت حناجرهم بصيحات الاستنكار لأنني حرمتهم من نومهم، وكدرت عليهم صفاء يومهم.
… فيا لغباوة الإنسان!