قال ابن حبيب: سألت مطرفًا وابن الماجشون عن الرجل يبني أبرجة في الطريق ملصقة بجداره، هل يمنع من ذلك ويؤمر بهدمها إذا فعل؟ فقالا لي: نعم ليس له أن يحدث في الطريق شيئًا ينتقصه به، وإن كان أبقى من الطريق واسعًا لمن سلكه، قلت لهما: فالرفوف والعساكر تظل على الطريق، هل يمنع من ذلك عاملها؟ قالوا: لا لم تزل هذه العساكر والرفوف يتخذها الناس ويظلون بها على الطريق، فلا أرى أن يمنع أحد من ذلك ما لم يضر بأحد.
قلت لهما: فالكشف التي تتخذ في الطريق، ويحفرها الرجل في الطريق بلصق جداره ثم يواريها هل يمنع من ذلك؟ قالا: إذا واراها وغطاها، واتقن غطاءها، وساواها بالطريق حتى لا يضر مكانها بأحد فلا أرى أن يمنع، وما كان من ذلك ضررًا بأحد منع.
قال ابن حبيب: وسألت أصبغ بن الفرج عن ذلك، فقال لي مثل قولهما في الرفوف والعساكر والكتف.
وقال لي في الأبرجة التي تبنى أن ذلك له أيضًا إذا كان ما وراها من الطريق واسعًا، قال لي أصبغ: وذلك أن عمر بن الخطاب قضى بالأفنية لأرباب الدور، قال لي: فالأفنية دور الدور كلها؛ مقبلها ومدبرها، ينتفعون بها ما لم تضيق طريقًا أو تمنع مارة أو تضر بالمسلمين فإذا كان لهم الانتفاع بغير ضرورة حموه إن شاءوا، ومن اخل منهم في بنيانه ما كان له أن يحميه ببروج تشد داره أو حظير حظره وزاده في داره، لم أر أن يعرض له ولا يمنع إذا كانت الطريق وراءه واسعة منبسطة، لا تضر بوجه من الوجوه ولا تضيق.
قال: وأكره له أن ابتداء أن يحظره أو يدخله في بنيانه مخافة الإثم عليه فإن فعل لم أعرض له فيه بحكم ولا أمنعه منه وقلدته منه ما تقلد وقد بلغني أن مالكًا كره له البنيان وأنا أكرهه بديا فإذا فات على ما وصفنا لم أر أن يعرض له فيه.
قال لي أصبغ: وقد نزل مثل هذا عندنا واستشارني فيه السلطان وسألني النظر إليه يومئذ، فنظرت فرأيت أمرًا واسعًا جدًا، فجًا من الفجوج، وكان له أيضًا في وجه جداره في القنا محط محظر عن الطريق يجلس فيه، ويجتمع فيه الباعة، فكسره وأدخله في بنيانه، فرأيت ذلك كله له واسعًا، وأشرت به على السلطان فحكم به، وسألت عنه أشهب يومئذ فذهب مذهبي، وقال مثل قولي.
فأي دليل أدل على علو شأن أصبغ ببلده من هذا أن لي علو على قوله في هذه