أصبغ عن أشهب.

قال أصبغ: سالت أشهب، وساق المسألة، وهذا كله قد كان كفاه إياه من تقدمه بفتياه، وصار لذلك جوابه من الحشو الذي لا يحتاج إليه، ومن التكرار الذي لا يعول عليه، وكان يحسبه أن يختار أحد القولين أو يحمل القاضي – كما فعل أخيرًا – على اختيار أحد المذهبين إلى ما في كلامه من المحال، وقبيح نظم المقال ك قوله: وهو ما قد سمعته وقرأه عليك أصحابنا من رواية زونان وأصحابه، لم يقرؤه على القاضي، إنما جاوبوه به كتابًا ومخاطبة، فرآه هو مسطورًا من جوابهم، فلم يقرءوه هم عليه ولا سمعه هو منهم، إنما كان وجهه أن يقول: وهو ما قد جاوبك به أصحابنا مما أفتوك به وكتبوا إليك بنصه، أو يقول: وهو ما قد رأيته وقفت عليه من أجوبة أصحابنا أو ما كان في معنى هذا.

وقوله: فأحكي لك ما في أحد ذينك الكتابين قبل الباب الذي قرئ عيك أو بعده، وهذا غير معقول ولا يقع عليه تحصيل لأنه ذلك كتابين، وإنما هو كتاب واحد، وهو كتاب السلطان، وفيه سماع أصبغ وسماع زونان، ثم قال: قبل الباب الذي قرئ عليك أو بعده، فأتى باختلاط هو أشبه بالهذيان منه بالبيان.

فإن كان أراد أنه يحكي ما في سماع أصبغ، وعني بالكتابين السماعين، فما الذي دعاه إلى الشك في كون ما يحكيه قبل ما جاوب به غيره أو بعده وهو قد نقل ما في سماع أصبغ على نصه من كتابه؟ ألم ير سماع أصبغ بعد سماع ابن الحسن بعينه؟ فما له ولا دخل الشك في لفظه، ولو تتبعت جواب كل واحد منهم بمثل هذا الانتقاد حتى أنزل الألفاظ منازلها، وأطبق المعاني مفاصلها لطال الكتاب وصرنا إلى الإسهاب، وفيما نشير إليه مقتنع لأولي الألباب.

وبالجملة فإن علم أكثر القوم قليل، ونظرهم عليل، وقد تقدم كرنا لما استشهد به ابن لبابة منهم إذ ذلك عنده من كان يشاور معه، والتوفيق من الله لا يهدي إليه سواه، وقد كر ابن حبيب رحمه الله هذه المسألة في كتابه بأحسن مساق، وأعذب الألفاظ، وأبين معان مما وقع في العتبية، ولم يذكر ذلك كل واحد منهم ولا خرجوا عما في العتبية، فدل على مغيب ما في كتاب ابن حبيب عنهم وعزوبه عن ذكرهم، ورأيت نقله إذا فيه تتميم لمسألتهم، وبرهان واضح على علو قدر أصبغ ببلده وفي غير بلده، بخلاف ما توهمه فيه من جهل منزلته من هؤلاء المفتين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015