طبيعي في نشأة الدولة في أن يعتمد مؤسسوها على القوة والغلبة ثم يأتي خلفاؤهم، فيعتنون بالإدارة وإعادة ترتيب الأولويات فيها، مما يؤكد أن السلاجقة كانوا رجال حرب وإدارة وحسن تدبير بحق في تلك الفترة (?). وكان الوزير نظام الملك يقول: إن المشورة في الأمور من قوة الرأي، خاصة إذا كانت الاستشارة لمن هم على قدر كبير من الخبرة وسعة التجربة وصولاً إلى الرأي الصائب الذي يتحتم العمل على أساسه (?)، كما يؤكد الوزير السلجوقي أن انعدام الشورى ومناقشة الآراء المختلفة والاستبداد بالرأي من الدلالات الواضحة على ضعفه وعدم جدوى العمل به (?)، وكانت نصيحة نظام الملك لسلطانه في مجال سياسة الأعداء أن يحارب الأعداء حرباً تترك باب الصلح مفتوحاً، وأن يصالحهم صلحاً لا يوصد باب الحرب، وأن يوطد علاقاته مع الصديق والعدو بنحو يمكنه من أن يفصم عراها، أو يعيد بناءها أنّى يشاء (?).
وهي قاعدة مهمة في الفكر العسكري تنم عن رأي خبير في سياسة الحروب وإدارة الدول لا يقل حصافة وسداداً عن أي فكر حديث حصيف (?)، والعبارة السابقة قريبة لدرجة كبيرة من القاعدة التي تقول: لا صداقات دائمة ولا عداوات دائمة وإنما مصالح دائمة. ونحن نوجه كلمة المصالح إلى مصالح الإسلام, وكان من بين النصائح التي قدمها الغزالي لسلطانه محمد بن ملكشاه قوله: إنه مهما أمكنك الأمور بالرفق واللطف فلا تعملها بالشدة والعنف (?)، ويقول أيضاً: وترتيب الوزراء مهما أمكنهم أن يحاربوا بالكتب فليحاربوا فإن لم تتأت الأمور بالاحتيال والتدبير فليجتهدوا في تأتيها بعطاء الأموال وبذل الصلات والنوال (?)، فإنه من رأيه عدم التسرع في الأمور لأنه: قد يمكن قتل الأحياء ولا يمكن إحياء القتلى (?) فهو ينصح بالتدرج في ذلك والبدء أولاً بإعمال الرأي والفكر في أفضل الوسائل للعمل بها، وجعل استخدام القوة والعنف آخر الحلول تطبيقاً وفي ذلك حفاظ على قدرات الدولة من أن تهدر في أمور يمكن العمل على حلها بالرأي والتدبير دون الحاجة إلى تسيير الجيوش وإرهاق الدولة بباهظ تكاليفها (?)، لأن الحرب في سائر
الأحوال تفني ذخائر الأموال وفيها تبذل كرائم النفوس ومصونات الأرواح (?). فكان
من أسس الفكر عند السلاجقة سلاطين ووزراء وعلماء الجمع بين الرأي والتدبير
والتدرج في استخدام القوة العسكرية واستعمال كل منها في الموقف الذي يلائمه،