أثر عميق في نفسية الشعوب المغلوبة وعواطفها، وما كانت تحبو به حكم الإسلام من التأييد والرضى.
ويبدي كثير من العلماء الإسبان أنفسهم مثل هذا التقدير، والإشادة باعتدال السياسية الإسلامية وآثار مسلكها المستنير. ذلك أن العرب تركوا الشعب المغلوب دون مضايقة، يحيا حياته الخاصة في نظمه وتقاليده. وهذا ما يسلم به المستشرق سيمونيت، بالرغم من كونه من أشد العلماء الإسبان تحاملا، فهو يقول لنا " إنه فيما يتعلق بالقوانين المدنية والسياسية، فإن النصارى الإسبان احتفظوا في ظل حكم الإسلامي بنوع من الحكومة الخاصة، واحتفظ الناس بأحوالهم القديمة دون تغيير كبير؛ وفيما يتعلق بالتشريع، فإنهم قد احتفظوا في باب النظم الكهنوتية بقوانين الكنيسة الإسبانية القديمة، واحتفظوا في الناحية المدنية بالقوانين القوطية أو قانون التقاضي " Fuero Juzgo "، يخضعون لها في كل ما له علاقة بحكومتهم. وهي حكومة بلدية محلية، وما لم يكن يتعارض مع القوانين والسياسة الإسلامية " (?).
وفيما يتعلق بالناحية النظامية يقول العلامة ألتاميرا، إن أغلبية الشعب الإسباني الروماني والقوطي بقيت في ظل حكم المسلمين محتفظة برؤسائها (وهم الأقماط أو الكونتات Condes) وقضائها وأساقفتها وكنائسها، وبالجملة بقيت محتفظة بما يشبه استقلالها المدني الكامل. وقنع الولاة بأن يفرضوا على النصارى المحكومين الضرائب الشرعية " (?).
ويقول المستشرق كارديناس: " إن الفضل يرجع إلى تسامح الولاة والأمراء الأوائل، في أنه خلال العصور الأولى من الحكم الإسلامي، كان الشعبان - المسلمون والمستعربون (النصارى) - يعيشان جنباً إلى جنب عيشة حرة ".
" واستطاع المستعربون في ظل الحكم الإسلامي أن يحتفظوا باستقلالهم، ولغتهم وعاداتهم وقوانينهم، وأحياناً بأساقفتهم وكونتاتهم، وأن يسهروا على صيانة الفنون القوطية التي كان العرب أنفسهم يقتبسون من أساليبها " (?).