ونكتفي بما تقدم من أقوال المؤرخين والمفكرين الغربيين في الإشادة باعتدال السياسة الإسلامية وتسامحها. وفي أقوالهم أبلغ رد على ما ينسبه بعض الأحبار والعلماء المتعصبين لحكم المسلمين، من ضروب التعصب والطغيان المدني والديني.
غير أن هذا الدولة الجديدة التي أنشأها الإسلام في اسبانيا، كانت تحمل منذ البداية جرثومة الخلاف الخطر. وكان هذا المجتمع الجديد الذي جمع الإسلام شمله ومزج بين عناصره، يجيش بمختلف الأهواء والنزعات، وتمزقه فوارق الجنس والعصبية. كانت القبائل العربية ما تزال تضطرم بمنافساتها القديمة الخالدة، وكان البربر الذين يتألف منهم معظم الجيش، يبغضون قادتهم ورؤساءهم العرب، وينقمون عليهم استئثارهم بالسلطهّ والمغانم الكبيرة، واحتلالهم لمعظم القواعد والوديان الخصبة، وكثيراً ما رفعوا لواء العصيان والثورة. وكان المسلمون الإسبان وهم " المولدون أو البلديون " (?) محدثين في الإسلام، يشعرون دائماً بأنهم رغم إسلامهم، أحط من الوجهة الاجتماعية، من سادتهم العرب. ذلك أن العرب رغم كون الإسلام يسوي بن جميع المسلمين في الحقوق والواجبات، ويمحو كل فوارق الجنس والطبقات، كانوا يشكون في ولاء المسلمين الجدد، ويضنون عليهم بمناصب الثقة والنفوذ، هذا إلى أن العربي في الأقطار القاصية التي افتتحها بالسيف، لم يستطع أن يتنازل عن كبرياء الجنس، التي كانت دائما من خواص طييعته، فكان مثل الإنكليزي السكسوني يعد نفسه أشرف الخليقة (?). على أن الخلاف بن العرب أنفسهم كان أخطر ما في هذا المجتمع الجديد من عوامل التفكك والانحلال، فقد كانت عصبية القبائل والبطون، ما تزال قوية حية في الصدور، وكان التنافس على السلطان والرياسة بين الزعماء والقادة، يمزق الصفوف ويجعلها شيعا وأحزاباً، وكانت عوامل الغيرة والحسد تعمل عملها في نفوس القبائل والبطون المختلفة. وأشد ما كانت تستعر نار ذلك الخلاف والتنافس بين اليمنية والمضرية، وذلك لأسباب عديدة ترجع إلى ما قبل الإسلام. منها أن الرياسة كانت لعصور طويلة قبل الإسلام في حمير وتُبع، أعظم القبائل اليمنية، وكانت لهم دول ومنعة وحضارة زاهرة، بينما كانت مضر بدوا متأخرين يخضعون لحمير ويؤدون