على مملكة القوط قضاء تاما، وفي عامين فقط وطدت سلطة المسلمين فيما بين إلبحر الأبيض المتوسط وجبال البرنيه. ولا يقدم لنا التاريخ مثلا آخر اجتمعت فيه السرعة والكمال والرسوخ بمثل ما اجتمعت في هذا الفتح ... وقد كان المظنون في البداية أن الغزو إنما هو أمر مؤقت فقط. ولم يتوقع أحد أن يكون احتلال البلاد دائما. فلما استقرت الجماعات المستعمرة، وفتحت الثغور لتجارة المشرق، وأقيمت المساجد، أدرك القوط فداحة الخطب الذي نزل بهم. ولكن اعتدال حكامهم الجدد خفف من ألم الهزيمة. وكان دفع الجزية يضمن الحماية لأقل الناس, وكان يسمح للورع المتعصب أن يزاول شعائره دون تدخل، كمكا يسمح للملحد أن يجاهر بآرائه دون خشية المطاردة، والأحبار يزاولون شئونهم في سلام. أما أقوال الكتاب النصارى التي ينسبون فيها للعرب أفظع المثالب، فهي محض مبالغة أو افتراء " (?).
أجل، لم يك ثمة ما يدعو لأن يعتبر الفتح الإسلامي لاسبانيا كارثة قومية يفزع لها الشعب ويأسو، بل كان كل ما هنالك بالعكس يدعو إلى اعتباره نذير الخلاص والأمل. ألم يكن شعار الفاتحين التسامح والعدل والمساواة؟ لقد كان تسامح الإسلام نبراساً يشع بضوئه المنقذ في هاتيك المجتمعات التي أضناها الإرهاق الديني، ولم ير الإسلام بأساً من أن يستقبل النصارى واليهود إلى جانب المسلمين في مجتمع واحد، يسوي فيه بينهم في جميع الحقوق والواجبات، ولم ير بأساً من أن تقوم الكنائس والبيع إلى جانب المساجد، ألم يكن ذلك أبدع وأروع ما في سياسة الفتح الإسلامي؟ لقدكانت حرية الضمائر والعقائد والفكر، وما زالت منذ أقدم العصور, أثمن ما تحرص عليه الشعوب الكريمة وتذود عنه.
فإذا ذكرنا أن هذا التسامح الذي أبداه الإسلام نحو الأمم المغلوبة، وهذا الاحترام لضمائر الناس وعقائدهم، وهذه الحرية التي تركها لهم في إقامة شعائرهم، إنما جاءت بعد عصور طويلة من الاضطهاد الديني، اتخذت فيها مطاردة الضمائر والعقائد أشنع الأساليب والصور، استطعنا أن نقدر ما كان لذلك الانقلاب من