عام آخر حتى فتح اسبانيا، ويقول إيزودور الباجي، إن ردريك ظفر بالعرش في أواخر سنة 711 م وإنه لم يحكم قبل الفتح سوى عام واحد (?)؛ وفي الروايتين تحريف ظاهر، ولا بد أن ردريك ولى الملك قبل سنة 711، إذ كان فتح العرب لاسبانيا في صيف هذا العام نفسه. وعلى أى حال فإن المعركة استمرت مدى حين بين ردريك وولدي وتيزا، وهما إيفا وسيزبوت يعاونهما عمهما أوباس (?) أسقف طليطلة وإشبيلية ورأس الكنيسة، والتفت حولهما رجال الدين وكل أنصار الحكم القديم. وكان ردريك قوى الجانب وافر الشجاعة والعزم، فاستطاع أن يخمد الثورة في كل ناحية، واستتب له الأمر حينا، ومع ذلك فقد بقيَ عرش القوط مضطربا يهتز في يد القدر، وكان الخطر يجثم في ناحية أخرى.
ذلك أن خصوم ردريك اتجهوا بأبصارهم إلى خارج الجزيرة. وكان الكونت يوليان حاكم سبتة والمضيق، محط أنظارهم ومساعيهم. وقد اختلف في أمر ْالكونت يوليان اختلافا بينا، فالروايات العربية القديمة كلها تشيد بذكره، وبالدور العظيم الذي أداه في الفتح، وينكر وجوده بعض أكابر المؤرخين الإسبان مثل ماسدي وغيره، لأن ذكره لم يرد لأول مرة إلا في روايات القرن الثاني عشر. على أنه مما يعزز إجماع الرواية العربية، إشارة إيزيدور الباجي، صاحب أقدم رواية إسبانية عن الفتح، إلى شريف نصراني كان يصحب موسى في كل غزواته. كذلك تختلف الرواية في صفة الكونت، فيقال إنه لم يكن تابعا لملك القوط، وإن سبتة كانت في ذلك الحين ما تزال تابعة لقيصر الدولة الشرقية، ولكن حاكمها الكونت رأى لبعدها وعزلتها أن يستظل بحماية اسبانيا (?). على أنه يبدو من أقوال الرواية العربية، وهي في نظرنا أقوى وأرجح، أن الكونت يوليان كان قوطيا اسبانيا، وأنه كان يرتبط ببلاط طليطلة بصلات وثيقة. وتؤيد الرواية العربية