الفادحة، عبء الحرب والدفاع عن الوطن. وكما أن الجيوش الرومانية كانت وقت ظهور الإسلام، قد فقدت وحدتها وروحها القومي وقوتها المعنوية، لتكوينها من الرعايا الأجانب والمرتزقة، فكذلك كان الجيش الإسباني منذ العهد الروماني، قوامه الزراع شبه الأرقاء واليهود. فلما حل القوط في اسبانيا وذاقوا نعم السلم، بعد مشاق التجوال والغزو، وتبوأوا مراكز الغلبة والسيادة، اعتمدوا في الدفاع عن ملكهم الجديد على هذا الجيش، الذي تموج صفوفه بجماعات مضطهدة ناقمة على سادتها. " ولاريب أن شبه الأرقاء كانوا في الجيش أكثر بكثير من الأحرار، وهذا ما يعني أن الدفاع عن الدولة كان يعهد به إلى أولئك الذين يؤثرون ممالأة العدو على الذود عن ظالميهم " (?). أما القوط أنفسهم فقد فقدوا منذ بعيد خلالهم الحربية القوية، وركنوا إلى حياة النعماء والدعة، وفتت في عزائمهم وشجاعتهم نعومة الجو وترف العيش، ولم يعودوا بعد أولئك الغزاة الأشداء الذين أخضعوا رومة، وتوغلوا فيما بين الدانوب والمحيط، " بل كان خلفاء ألاريك يحتجبون بصخور البرنيه غارقين في سبات السلم، لا يعنون بتحصين مدينة، ولا يعبأ شبابهم بتجريد سيف " (?).
وكان يهود الجزيرة كتلة كبيرة عاملة، ولكنهم كانوا موضع البغض والتعصب والتحامل، يعانون أشنع ألوان الجور والاضطهاد. وكانت الكنيسة منذ اشتد ساعدها ونفوذها تحاول تنصير اليهود، وتتوسل إلى تحقيق غايتها بالعنف والمطاردة. ففي عصر الملك سيزبوت (?) فرض التنصر على اليهود أو النفي أو المصادرة، فاعتنق النصرانية كثير منهم كرها ورياء (سنة 616 م). ثم توالت عليهم مع ذلك صنوف الاضطهاد والمحن، فركنوا إلى التآمر وتدبير الثورة، وتفاهموا مع إخوانهم يهود المغرب على المؤازرة والتعاون. ولكن المؤامرة اكتشفت قبل نضجها (694 م). وكان ذلك في عهد الملك إجيكا، فقرر أن يشتد في معاقبتهم، واجتمع مؤتمر الأحبار طليطلة للنظر في ذلك، وأجاب الملك إلى ما طلبه، وقرر معاقبة اليهود باعتبارهم خوارج على الدولة يأتمرون بسلامتها، ولأنهم ارتدوا