هدية ومالا لمعاونته (?). ولكن هذه المساعى لم تسفر عن نتيجة سريعة ناجعة، وبقيت الأندلس أعواماً أخرى تواجه عدوها القوى بمفردها وتتوجس من سوء المصير.

ولما تفاقم عدوان القشتاليين وضغطهم، لم ير ابن الأحمر مناصاً من أن يخطو خطوة جديدة فى مهادنة ملك قشتالة ومصادقته، فنزل له فى أواخر سنة 665 هـ (1267 م) عن عدد كبير من البلاد والحصون، منها شَريش والمدينة والقلعة وغيرها. وقيل إن ما أعطاه ابن الأحمر يومئذ من البلاد والحصون المسورة للنصارى بلغ أكثر من مائة موضع، ومعظمها فى غرب الأندلس (?)، وبذا عقد السلم بين الفريقين مرة أخرى (?).

وهكذا فقدت الأندلس معظم قواعدها التالدة فى نحو ثلاثين عاماً فقط (627 - 655 هـ) فى وابل مروع من الأحداث والمحن، واستحال الوطن الأندلسى الذى كان قبل قرن فقط، يشغل نحو نصف الجزيرة الإسبانية، إلى رقعة متواضعة هى مملكة غرناطة. وقد أثارت هذه المحن التى توالت على الأندلس، فى تلك الفترة المظلمة من تاريخها لوعة الشعر والأدب، ونظم شاعر العصر أبو الطيب صالح بن شريف الرندى، مرثيته الشهيرة، التى مازالت تعتبر حتى اليوم من أروع المراثى القومية وأبلغها تأثيراً فى النفس، وفيها يبكى قواعد الأندلس الذاهبة، ويستنهض همم المسلمين أهل العدوة لإنجاد الأندلس وغوثها، وإليك بعض ما جاء فى هذه المرثية الشهيرة التى خلدت ذكر ناظمها على كر الأحقاب:

لكل شىء إذا ما تم نقصان ... فلا يغر بطيب العيش إنسان

هى الأمور كما شاهدتها دول ... من سرَّه زمن ساءته أزمان

وهذه الدار لا تبقى على أحد ... ولا يدوم على حال لها شان

يمزق الدهر حتما كل سابغة ... إذا نبت مشرفيات وخرصان

...

طور بواسطة نورين ميديا © 2015