قتل فيها كسيلة وكثير من أصحابه، ودخل زهير القيروان وترك فيها حامية للدفاع عنها، وفرق جنده لإخضاع الثوار في مختلف الأنحاء. ولكن الروم انتهزوا فرصة توغل المسلمين غربا، وأمدهم قيصر قسطنطينية (?) بأسطول من صقلية، فنزلوا في قرطاجَنة ثم زحفوا. على برقة في جموع عظيمة، وعلم زهير بتلك المفاجأة، فارتد للدفاع عن برقة، ونشبت بين الفريقين معركة هائلة هزم فيها المسلمون، وقتل زهير ومعظم ضباطه، وذهب المغرب من قبضة المسلمين مرة أخرى.
وكان وقع هذا الخطب شديداً في حكومة دمشق، وكانت تشغل يومئذ بمحاربة ابن الزبير وصحبه الخوارج عليها، فمضت أعوام أخرى قبل أن تتمكن من العناية بشئون إفريقية، فلما انتهت الثورة وقتل ابن الزبير، وجه عبد الملك عنايته إلى استعادة إفريقية، فولى عليها حسان بن النعمان الغساني سنة 73 هـ (?) (692 م) وسيره إليها في جيش ضخم كان أعظم قوة سيرتها الخلافة إلى إفريقية، فاخترق حسان برقة وقصد قرطاجَنة عاصمة إفريقية الرومانية، وكانت لا تزال في يد الروم ولم يغزها المسلمون بعد لحصانتها واتصالها بالبحر، وقربها من صقلية حيث كانت ترسل إليها الأمداد بسرعة، فحاصرها بشدة ثم اقتحمها واستولى عليها، ولكن الإمبراطور سير إليها جيشا بقيادة حاكمها يوحنا، يعاونه أسطول من صقلية، وقوة من القوط أرسلها ملك اسبانيا القوطي الذي أزعجه اقتراب العرب من بلاده، فانسحب العرب وارتدوا إلى القيروان، حتى إذا جاءتهم الأمداد أعادوا الكرة على قرطاجنة، وهزموا الروم والقوط هزيمة شديدة، ففروا إلى سفنهم، وخربت قرطاجنة وهدمت حصونها القوية. ثم سار حسان غربا وهزم الروم والبربر في عدة مواقع، واستعاد الإسلام سلطانه فيما بين برقة والمحيط (?).
وعاد حسان إلى القيروان لينظم جيشه. وكان البربر والقبائل الجبلية قد